ظهرت النتيجة، وكنت من بين الناجحين، وترتيبي على ما أعتقد 43 من مائتين، وكان لهذا النبأ وقع حسن بين موظفي وزارة المعارف، وبين زملائي الطلبة، وكان ذلك سنة 1907، ولم يكن لي بالطبع زميلات، ولم تنجح مصرية في امتحان البكالوريا إلا في سنة 1928؛ لهذا كان النبأ عظيما، فنشرته الصحف بعناوين ضخمة ببنط كبير مثل «أول ناجحة من المصريات في البكالوريا» أو «مصرية تفوز بنيل شهادة البكالوريا»، أو «تفوق المصريات»، ولو أني إذ ذاك فتحت فرنسا لما كان لاسمي رنة أشد مما كان له على إثر نيل تلك الشهادة العظيمة؛ أي شهادة البكالوريا.
اهتم المصححون بهذا النبأ، ويظهر أنهم خشوا أن يظن أحد أن نبوية هذا رجل، فأرادوا أن يضعوا على هذا الاسم عنوانا يمنع الشبهة، فكتبوا «الست نبوية»، وأرسلوا إلى مدرسة عباس تلغرافا يهنئون الناظرة بنجاح معلمتها، كما أرسلوا إلى صديقتي العتيدة ناظرة المدرسة السنية تلغرافا يهنئونها بنجاح إحدى طالباتها، وهنا نسيت مس جونسون الحقد القديم، ويظهر أنها عطفت علي، وكنا في ذلك الوقت لا ندخل الامتحان الشفوي إلا إذا نجحنا في التحريري.
ظهرت نتيجة التحريري، وجئت للامتحان الشفوي في المدرسة السنية أيضا، وما كاد يقع نظر الناظرة علي حتى ضمتني إلى صدرها، وقبلتني قبلات عديدة، وشكرتني لأني رفعت رأسها عاليا.
أما المفتشون الذين جاءوا لامتحاني الشفوي فقد أحضروا لي معهم هدية ثمينة من الكتب الفرنسية، وكنت واثقة بالطبع أني سأنجح في الامتحان الشفوي؛ إذ ليس من المعقول أن تتقدم طالبة واحدة في هذا الامتحان، وتنجح في التحريري، ثم يذهب الذوق بالممتحنين إلى إسقاطها في الشفوي؛ لهذا كنت واثقة كل الوثوق من نجاحي في الشفوي.
كنت قد تعلمت اللغة الفرنسية في المنزل ومن الكتب، وكنت أعرف كيف أقرأ، ولكني لم أكن متأكدة أني أفهم تلك اللغة إذا خوطبت بها؛ ولهذا دخلت باسمة، وقد أعددت هذا الابتسام لأجيب عليه بكلمات قد حفظتها، وكانت اللغة الفرنسية إضافية لا أساسية.
وتم ما أردته، وسألني الممتحن عن سبب ضحكي، فقلت له في شيء من الدعابة: إني أضحك؛ لأني أعلم أنك لا تعلم إلا الفرنسية التي لا أعرف أنا شيئا منها؛ ولهذا أضحك على كيفية تخاطبنا. قلت ذلك بالفرنسية طبعا، وقد سر الرجل بهذا، وحادثني محادثة استطعت فهمها، وأعطاني درجة لم أكن أحلم بالحصول عليها.
أما في اللغة العربية، فلم ينس المرحوم الشيخ حمزة فتح الله أن يتحفني بأسئلته الممتازة إذ ذاك كوزن «أكون»، وهو كما لا يخفى على سيدي القارئ «كن»، فنقلت حركة الواو إلى الساكن قبلها فتحرك بالضم، وحذفت الواو لالتقاء الساكنين أي النون والواو، ثم حذفت همزة الوصل لعدم الحاجة إليها؛ إذ جيء بها للتوصل إلى الساكن في الأفعال الأخرى كاعلم وانصت، أما هنا فقد تحرك أول الفعل فلا حاجة إلى همزة الوصل.
وعذرا أيها القارئ إذا ألقينا عليك درسا من نماذج دروس العربي الماضية.
أثر حصولي على البكالوريا ومذهبي في
الزواج
نامعلوم صفحہ