ولا ذكرت «بلى والكاف ثم جلل»
إلا وخاب لدى تذكارها الأمل «جير وحتى وحاشا» بت أقرؤها
حتى ثنى همتي عن حفظها الملل
علي بذلك لا ألقى العقاب ولا
عن ساحة الكرم المأمول أنتقل
فقال المعلم، ومكافأة لك على هذا الاجتهاد سأعطيك صفرا؛ فقد مللت أن أكتب لك في كل شيء عشرة، وهذه فرصة أغير فيها العشرة إلى صفر تشجيعا لك على قول الشعر، وهكذا كنت لا آخذ في اللغة العربية درجة إلا الدرجة النهائية أو صفرا.
الشيخة رمانة
كانت السنة الثالثة أصعب سني دراستي؛ لأني كنت غريبة عن نظم المدارس وترتيباتها، ومع هذا فقد نجحت، وكنت الأولى في امتحان النقل إلى السنة الرابعة، وكان عدد طالبات السنة الرابعة على ما أتذكر 6 طالبات، وامتحنا امتحان الشهادة الابتدائية في مدرسة عباس؛ لأن المدرسة السنية كانت في بناء قديم غير بنائها الحالي، وكان على مقربة من بنائها المعروف الآن؛ فقد كان في حارة صغيرة في شارع المبتديان.
وتشاء القدرة الإلهية أن يكون امتحان الحساب في ذلك العام، وهو عام 1903 أصعب امتحانات الحساب التي رأيتها حتى الآن؛ ولهذا رسب في الحساب فقط 60٪ من عدد المتقدمين لذلك الامتحان، خرجنا من امتحان الحساب، وكل الطالبات يبكين، وكان من بين طالبات المدرسة السنية طالبة عرفت بالطيش وعدم تقدير الأمور، فخرجت تضحك، وتتظاهر بالنجاح؛ فكانت جميع الطالبات باكيات، وهذه الطالبة ضاحكة ساخرة، أما أنا فكنت على الحياد لا بكاء ولا سرور، فدنت مني ضابطة مدرسة عباس، وقالت: أراك لست كزميلاتك في البكاء، ولا تشاطرين تلك الزميلة الأخرى سرورها واغتباطها، فما شأنك؟ قلت: أظن أني ناجحة فلا معنى للبكاء، أما السرور والابتهاج فليس من المروءة أن أضحك، وزميلاتي باكيات. قالت: وهل أنت واثقة من نجاحك؟ قلت: نعم. قالت: لا تغتري فقد رسبت أولى طالباتنا في العام الماضي. قلت: لا بد يا سيدتي أنها كانت ضعيفة في الحساب. قالت: نعم! هي كذلك. قلت: الحساب لا صاحب له؛ فقد تكون التلميذة مجتهدة في كل شيء؛ تذاكر مذاكرة جيدة، فتتقدم على زميلاتها، ولكنها ينقصها الذكاء فلا تستطيع النجاح في الحساب، أما أنا فمحال أن أرسب وأنا أولى الفصل في أغلب المواد وفي الحساب أيضا. قالت: إذن سنرى.
انتهى الامتحان، وخرجت التلميذات، وأغلبهن واثقات من عدم النجاح، ولا أدري كيف تأثرت بآرائهن، فساورتني الشكوك في نجاحي بعد أن كنت متأكدة منه، وكانت والدتي شديدة الثقة في منجمة تدعى الشيخة رمانة، وكانت تقول إن كلامها لا ينزل الأرض حسب تعبيرها هي، وكان أخي - رحمه الله - على عكس رأيها، وهو الذي كنت أسير مع آرائه، فأردت أن أشرح لوالدتي بطريقة عملية أن هذه المنجمة لا تستطيع معرفة الماضي لا المستقبل، فطلبت أن أذهب معها إلى تلك المنجمة لأعرف منها الغيب في مستقبلي القريب، وهو النجاح في امتحان الشهادة الابتدائية، فغيرت ملابسي ولبست ملاءة وبرقعا أسود، وذهبت إليها مع والدتي فوجدت حولها عددا كبيرا من النساء يغلب على ظني أنهن يساعدنها على كشف مستقبل الزبائن، وإن كن يتظاهرن بأنهن جميعهن زائرات جئن للكشف عن مستقبلهن.
نامعلوم صفحہ