عصر الخلفاء الراشدين: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثالث)
عصر الخلفاء الراشدين: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثالث)
اصناف
2 (3) العمالات
جعل عمر على رأس كل ولاية واليا أو عاملا يقوم بالأمور الدينية والإدارية في بلاده، ولكنه لم يكن يطلق السلطة لهؤلاء العمال يتصرفون كما يشاءون، بل إنهم كانوا يرجعون في المشاكل الكبرى إلى أمير المؤمنين نفسه، يستفتونه فيما يعرض لهم مما لم يتضمنه كتاب عهدهم، وكان من الأمور التي يجب على العامل أن يقوم بها: إقامة الصلاة، والفصل في الخصومات، وقيادة الحروب، وجمع الأموال من فيء وخمس وزكاة وصدقات وخراج وجزية، ولهذا الأمير العامل أن يولي بعض هذه المصالح من يشاء إذا سمح له الخليفة بذلك، وكان في كثير من الأحيان يجعل أمر الخراج والجبايات إلى رجل آخر غير العامل.
وكان عمر لا يختار عماله إلا من كبار الصحابة العرب وفضلائهم، وهذه السنة كانت أيام الرسول وأبي بكر، وعمل بها عثمان ومن بعده خلائف بني أمية، وكان عمر إذا ولى عاملا أوصاه بأن يعدل ويسير في الناس سيرة طيبة، ومما قال لبعض عماله: إني لم أستعملكم على أمة محمد على أشعارهم وأبشارهم، وإنما استعملناكم عليهم لتقيموا بهم الصلاة، وتقضوا بينهم بالحق، وتقسموا بينهم بالعدل ، ولا تجلدوا العرب فتذلوها، ولا تحجروها فتفتنوها، ولا تغفلوا عنها فتحرموها، جودوا القرآن، وأقلوا الرواية عن محمد
صلى الله عليه وسلم ، وأنا شريككم.
وكان يقتص من عماله، وإذا اشتكي إليه من عامل جمع بينه وبين من شكاه، فإذا صح عليه أمر يجب به أخذه اقتص منه، وكان في كثير من الأحوال إذا اشتكي من عامل لم يبقه بين ظهراني مرءوسيه ولو كان بريئا؛ لأن فساد الصلات الودية بين الرئيس والمرءوس أمر يضر بالمصلحة العامة.
وكان عمر يعنى باستشارة كبار أهل الرأي من الصحابة في المسائل التي تعترضه، وفي إدارة شئون الدولة، وكان أبو بكر من قبله قد أوجد مجلسا من كبار شيوخ الصحابة يسألهم رأيهم في القضايا العامة، فلما استخلف عمر أقر ذلك، وكان يستشيرهم ولا يقطع بأمر كبير إلا دعاهم وخطبهم واستطلع آراءهم، وكانوا يجتمعون في المسجد النبوي ويتداولون الأمور. (4) التنظيمات العسكرية
عني عمر بالجيش والجهاد والتنظيمات العسكرية عناية شديدة، وجعل للجند امتيازات، وخصوصا بعد أن تمت الفتوحات الكبرى وتواردت الأموال على بيت المال، فنظم ديوان الجند، ورتب الأموال لتزويدهم بالسلاح والخيل والميرة، وكان القتال في العهد النبوي والعهد الصديقي والعهد العمري معتمدا على العواطف الدينية الصادقة، والرغبة الأكيدة في نشر الدين الحنيف ورفع راية الإسلام عالية، فاستطاعت الجيوش الإسلامية في فترة وجيزة أن تسيطر على العالم المتمدن المعروف آنئذ.
ولما تمكنت أقدام المسلمين في مصر والشام والعراق وإيران رأى عمر أن يقيم الجنود الإسلاميون في هاته البقاع في معسكرات خاصة بهم، وأباح لهم امتلاك الأرضين، وتثمير الثروات، وشراء الأملاك، ولكن عمر ما لبث أن أحس بأن ذلك العمل غير ناجح، فمنعهم من ذلك، وضمن لهم نفقاتهم وكل ما يحتاجون إليه هم وأولادهم وأسرهم. وإلى عمر يرجع الفضل في إقامة الحصون والقلاع الإسلامية، كما أنه أمر بإقامة المعسكرات والفساطيط الدائمة المتضمنة كل ما تحتاج إليه الجنود لراحتها.
وفي عهده وبمعونة كبار القادة أمثال: أبي عبيدة، وخالد، وعمرو بن العاص، تم تنظيم الجيش الإسلامي، وترتيب أحوال القيادة العسكرية، وتنظيم تعبئة الجيوش، وكانوا في القيادة يقسمون الجيش خمسة أقسام: مقدمة، وساقة، ومجنبتان، وقلب، وكانوا يجعلون لكل قسم أميرا يصدر عن أمر قائد الجيش، وكانوا يقسمون الجيش بعد ذلك إلى كراديس (أي صفوف)، كل كردوس ألف رجل، وعلى كل كردوس رجل من أهل النجدة والفروسية يكون الأمير عليهم.
ثم يقسمون الكردوس إلى عشرات عشرات، على كل عشرة رئيس يسمى عريفا، وكانوا يقاتلون على أنواع، منها: «قتال الزحف»، الذي ذكره الله تعالى في قوله:
نامعلوم صفحہ