عصر الخلفاء الراشدين: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثالث)
عصر الخلفاء الراشدين: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثالث)
اصناف
ولكن لما اشتد الضغط عليه وعلى البقية الباقية من المسلمين ممن لم يهاجروا، عزم على ترك مكة في سبيل الله، ولكنه عزم إلا أن تكون هجرته علنية لا كما يفعل الآخرون مستخفين، فقد روى ابن عساكر عن علي أنه قال: ما علمت أن أحدا من المهاجرين هاجر إلا متخفيا، إلا عمر بن الخطاب، فإنه لما هم بالهجرة تقلد سيفه وتنكب قوسه وانتضى في يده أسهما، واختصر عنزته - عكازته - ومضى قبل الكعبة والملأ من قريش بفنائها، فطاف بالبيت سبعا، ثم أتى المقام فصلى متمكنا، ثم وقف على الحلق واحدة واحدة، وقال لهم: شاهت الوجوه، لا يرغم الله إلا هذه المعاطس، ومن أراد أن تثكله أمه وييتم ولده ويرمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي، قال علي: فما تبعه أحد إلا قوم من المستضعفين علمهم وأرشدهم ومضى لوجهه.
4
وهكذا خرج أبو حفص مهاجرا في سبيل الله معلنا غضبته على قريش الظالمة التي أخرجت المؤمنين الآمنين من ديارهم، وقد حفظها عمر لقريش، فلم يترك فرصة أو مناسبة يفتك بها بقريش إلا وانتهزها، وقد كان له رضوان الله عليه وسلامه أعمال جليلة في غزوات النبي لقريش والفتك بفجارها. (2) هجرته وأعماله في المدينة
رأينا كيف أن عمر قد أنذر قريشا بهجرته، وتهدد أشرارها بالأذى إن هم لحقوا به أو تجرأ أحد منهم أن يفسد عليه هجرته، وكان قد اتفق هو واثنان من فتيان قومه، هما: العباس بن أبي ربيعة المخزومي، وهشام بن العاص بن وائل السهمي على أن يكونوا رفقاء في الطريق، قال عمر: اتعدت لما أردنا الهجرة أنا وعياش وهشام المناصب - من أحناة بني غفار فوق سرف - وقلنا: أينا لم يصبح عندها فقد حبس، فليمض صاحباه، قال عمر: فأصبحت أنا وعياش عند المناصب، وحبس عنا هشام، وفتن ما فتن.
5
وهشام: هو هشام بن العاص أخو عمرو بن العاص، وكان ممن أسلموا قديما، وهاجر إلى الحبشة، ثم قدم مكة حين بلغه مهاجر النبي إلى المدينة، ولما أراد أن يخرج مهاجرا مع عمر وصاحبه حبسه أبوه وقومه بمكة، وفتنوه إلى أن استطاع القدوم عليهم بعد غزوة الخندق.
6
أما عمر وصاحبه العياش فإنهما قدما المدينة ونزلا في قباء عند بني عمرو بن عوف، ولم يكد يصل عياش إلى المدينة حتى قدم عليه أخوه لأمه أبو جهل بن هشام والحارث بن هشام فذكرا له أن أمه حلفت ألا يدخل رأسها دهن، ولا تستظل حتى تراه، فرجع معهما، فأوثقاه وحبساه بمكة، فكان رسول الله يدعو الله، وقنت رسول الله شهرا يدعو للمستضعفين بمكة، ومنهم الوليد ومسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة.
7
ولما قدم عمر المدينة أخذ يوطد أقدام الدين فيها، ويعمل على نشر الدعوة إلى أن قدم الرسول فكان عضده وعونه في تأسيس أركان الدولة الإسلامية وتسهيل أمور رعاياها، وبخاصة المهاجرين منهم، وقضاء مصالحهم وتتبع عورات خصومهم من المشركين والمنافقين وإفساد دسائسهم، وكان شديد الوطأة على المنافقين، يكشف دخائل أمورهم، ويتفطن لأعمالهم ومكائدهم، ويعرف خبايا أمورهم، ويعلن ذلك للناس حتى لا يتورطوا في الوقوع بحبائلهم، كما كان شديد التحمس لحماية الرسول الكريم ونصرته.
نامعلوم صفحہ