عصر الخلفاء الراشدين: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثالث)
عصر الخلفاء الراشدين: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثالث)
اصناف
ثم قام بشير بن سعد الخزرجي فقال: يا معشر الأنصار، إنما أنتم بالمهاجرين وإنما المهاجرون بكم، فإن كانت دعواكم حقا لم يعترض فيكم المهاجرون، وإن قلتم نصرنا وآوينا فما أعطاكم الله خير ما أعطيتم أنفسكم، ولا تكونوا ممن بدل نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار يصلونها فبئس دار القرار، فشتم الرجل ولحق بالمهاجرين.
ثم قام عويمر بن ساعد الأنصاري فقال: يا معشر الأنصار، إن يكن الأمر فيكم دون قريش فانفردوا حتى نبايعكم عليه، وإن كان لهم دونكم فسلموا لهم بذلك، فوالله ما مات رسول الله حتى عرفنا أن أبا بكر خليفته حتى أمره أن يصلي بالناس ... فشتم الرجل أيضا فلحق بالمهاجرين.
ثم قام ثابت بن قيس - وهو يومئذ خطيب الأنصار - فقال: يا معشر المهاجرين، إن الله بعث محمدا فأقام بمكة، سمع الأذى والتكذيب، وأمره الله بالكف والصفح الجميل، ثم أمره بالهجرة وكتب عليه القتال، فنقله عن داره إلينا فكنا أنصاره، وكانت دارنا مهاجره، ثم قدمتم علينا فقاسمناكم معاشر المهاجرين الأموال، وأنزلناكم الديار، وكفيناكم العمل، وآثرناكم بالمرافق، فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام، وأنتم معاشر المهاجرين بضعة منا، وقد دقت إلينا من قومكم داقة، وقد قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : «لو سلك الناس شعبا وسلك الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار»، فاسلكوا شعب رسول الله
صلى الله عليه وسلم .
فقام حينئذ أبو بكر، فقال: أما ما ذكرتم من فضلكم فأنتم كذلك، ولكن العرب لا تقر بهذا الأمر إلا لقريش؛ لأنهم أوسط العرب دارا، وأنهم دعوة إبراهيم، وقد رضيت أحد هذين الرجلين: إما عمر بن الخطاب أو أبو عبيدة بن الجراح.
فقام عمر وأهوى على يد أبي بكر ليبايعه، فضربها بشير بن سعد بيده وقال: والله لا بايعه أحد قبلي، ولا تخلف عن بيعته أنصاري من الخزرج والأوس فيضحك إليه سني. فلما رأى ذلك الأوس والخزرج بايعوا، وازدحم الناس على أبي بكر فبايعوه، وأراد عمر أن يتكلم، فقال له أبو بكر : على رسلك يا عمر، ثم قال: نحن المهاجرين أول الناس إسلاما، وأوسطهم دارا، وأكرمهم أحسابا، وأحسنهم وجوها، وأكثر الناس ولادة في العرب، وأمسهم وأوسطهم رحما من رسول الله
صلى الله عليه وسلم ؛ لأنا عترته التي خرج منها، وبيضته التي تفقأت عنه، أسلمنا قبلكم وقدمنا في القرآن عليكم، وأنتم إخواننا في الدين، وشركاؤنا في الفيء، وأنصارنا في العدد، وأنتم واسيتم فجزاكم الله خيرا، ونحن الأمراء وأنتم الوزراء، ألا لا تدين العرب إلا لهذا الحي من قريش، وأنتم محقون لا تنافسون على إخوانكم من المهاجرين ما ساقه الله إليهم من خلافة النبوة والقيام بأمر الإمامة، والسلام.
4
وتزعم الأوس أن أول من بايع أبا بكر هو بشير أبو النعمان، وتزعم الخزرج أنه أسيد بن حضير، فلما بايع أهل السقيفة أبا بكر ازدحم الناس عليه ليبايعوه، فقال قائل منهم: قتلتم سعدا - وكان جالسا متزملا بثوبه - فقال عمر: اقتلوه فإنه صاحب فتنة، وتدخل أبو بكر في الأمر، وانتهت الفتنة، وظل سعد منزويا في بيته ولم يبايع أبا بكر.
نامعلوم صفحہ