عصر الخلفاء الراشدين: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثالث)
عصر الخلفاء الراشدين: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثالث)
اصناف
ولكنه مع هذه الشدة في الحكم على المرأة كان رحيما بها، مشفقا عليها، راحما ضعفها؛ فقد قال من خطبته لجنده وهم بصفين: «لا تهيجوا النساء بأذى وإن شتمن أعراضكم وسببن أمراءكم، فإنهن ضعيفات القوى والأنفس والعقول، وإن كنا لنؤمر بالكف عنهن وإنهن لمشركات، وإن كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالقهر أو الهراوة فيعير بها وعقبه من بعده.»
22 •••
هذه آراء الإمام عليه السلام في الدين والدنيا. أما آثاره في الحياة فجليلة، ومن أعظمها آثاره في الأدب العربي، فقد رأيت قبسا من نور أدبه الذي لا يضاهيه أي قبس حاشا القرآن الكريم والحديث النبوي؛ لأنه عليه السلام كان أفصح الناس بعد الرسول، وأشدهم قوة على التعبير الفصيح، وأبرعهم حجة في الخطابة، وأملكهم لعنان اللغة واطلاعا على مفرداتها، يتصرف بها كما يريد، وهو الذي تربى في حجر النبي
صلى الله عليه وسلم
فأفاد من البلاغة النبوية، والحكمة الإلهية، ووعى ما لم يعه غيره من كلام الرسول وحالاته وحركاته في خطبه ومجالسه وأماليه، فلا غرو أن يصبح كعبة يحج إليها طلاب البيان الرفيع والفصاحة العالية، وهكذا قد كان؛ فقد تأثر الناس به في عصره وفي العصور التي جاءت بعده، فما من خطيب، وما من كاتب ولا من شاعر إلا نهل من معينه الصافي، وطبع على غراره السامي، وهذا عبد الحميد بن يحيى إمام الكتاب يجيب من سأله عن سر قدرته على الكتابة بقوله: «ضغط كلام الأصلع.» وهذا ابن المقفع يقول: «شربت الخطب العلوية ريا، ولم أضبط لها رويا، ففاضت ثم غاضت، فلا هي كلاما وليس غيرها نظاما.»
والحق أننا إذا فحصنا ما صحت نسبته إلى الإمام عليه السلام مما نجده في المصادر الموثوق بها ككتب الطبري والمسعودي والجاحظ والشيخ المفيد وابن قتيبة وجدنا لعلي عليه السلام أثرا بارزا في الأدب العربي.
23
الفصل الثالث
في أعماله الجليلة في خلافته
بويع الإمام بالخلافة يوم الجمعة لخمس بقين من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين للهجرة؛ وذلك أنه لما قتل عثمان (رضي الله عنه) اجتمع أصحاب النبي من المهاجرين والأنصار، وفيهم طلحة والزبير، فأتوا الإمام وقالوا له: إنه لا بد للناس من إمام، وإنك أفضل من بقي لها، فقال لهم: لا حاجة لي في إمارتكم، فاختاروا أحدا أبايعه، فقالوا: ما نختار غيرك، وترددوا إليه مرارا، ثم قالوا له : ما نجد أحدا أحق بالخلافة منك، فإنك أقدمنا سابقة للإسلام، وأقربنا قرابة من رسول الله، فقال: لا تفعلوا فلأن أكون وزيرا خير من أن أكون أميرا، فقالوا: لا والله ما نحن بتاركيك حتى نبايعك، ثم قبل وذهب بهم إلى المسجد النبوي، فأقبل المهاجرون والأنصار فبايعوه، ثم بايعه عامة الناس.
نامعلوم صفحہ