عصر الخلفاء الراشدين: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثالث)
عصر الخلفاء الراشدين: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثالث)
اصناف
13
وجدت فيهما على طولهما طريقة فنية عجيبة في الكتابة والخيال الرائع والسجع الجميل المقبول، وتضمين ذلك شعرا وأمثالا وحكما، فالإمام عليه السلام في رأينا هو أول كاتب فني ظهر في الإسلام، ومنه استقى عبد الحميد بعده، وعلى غراره طبع ابن المقفع قوله، وعنه أخذا أسلوبهما، وبكلامه وطريقته الفنية تأثرا.
ولم يكن عليه السلام خطيبا وكاتبا وحسب، بل كان حكيما مفكرا، بل لعله أول مفكر ظهر في الإسلام، وتبصر في الحياة، وقال فيها أقوالا تدل على عقل حكيم، وفكر صائب، والحق أن حكمة الإمام تتجلى واضحة فيما أثر عنه من الحكم والنصائح، ونحن إذا رحنا نستقصي ما صح من آثاره نرى أن حكمته عليه السلام تنحصر في الموضوعات التالية: (1)
رأيه في الخالق سبحانه، وتقديسه وتنزيهه وتحليل صفاته. (2)
رأيه في المؤمن، وما يجب أن يكون عليه من صفات ومزايا تقربه من الله تعالى. (3)
إرشاداته للإنسان فيما ينبغي له عمله حتى يعيش بين إخوانه عيشة سعيدة كلها إخاء ومحبة. (4)
نصائحه للإنسان في تحديد واجباته نحو نفسه. (5)
رأيه في السياسة والحكومة والقضاء. (6)
رأيه في المرأة وأحوالها.
أما رأيه في الخالق فيتجلى في كثير من خطبه، فمن ذلك قوله: «الحمد لله الذي لا يبلغ حرمته القائلون، ولا يحصي نعماءه العادون، ولا يؤدي حقه المجتهدون، الذي لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، الذي ليس لصفته حد محدود، ولا نعت موجود، ولا وقت معدود، ولا أجل محدود، فطر الخلائق بقدرته، ونشر الرياح برحمته، ووتد بالصخور ميدان أرضه، أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ... كائن لا عن حدث، وموجود لا عن عدم، مع كل شيء لا بمقارنة، وغير كل شيء لا بمزايلة.»
نامعلوم صفحہ