عصر الخلفاء الراشدين: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثالث)
عصر الخلفاء الراشدين: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثالث)
اصناف
5
وأما علمه؛ فقد كان في أسمى الدرجات، وكان على جانب عظيم من الثقافة العربية الشائعة في ذلك الحين، وكان من أعلم الصحابة إن لم يكن أعلمهم بالقرآن والسنة وأحكام الدين، وقد روي عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله: «أنا مدينة العلم وعلي بابها.» وكان عبد الله بن مسعود يقول: «أفرض أهل المدينة وأقضاها علي.»
6
وكان أبو بكر وعمر وعثمان يرجعون إليه في المشاكل العلمية والقضائية، وفي كثير من معرفة أحكام الدين، وكان عبد الله بن عمر يقول: «أعوذ من معضلة ليس لها أبو الحسن.»
7
وأما فصاحته، فكانت في أعلى الدرجات، بل كانت مضرب الأمثال، وكان يلقي بالقول فيأخذ بمجامع القلوب، ويخطب الخطبة فيثير النفوس، كما كان أشعر الخلفاء الراشدين. روى السيوطي في «تاريخ الخلفاء» أن أبا بكر الصديق كان يقول الشعر، وأن عمر كان يقوله، وأن عثمان كان يقوله أيضا، وكان علي عليه السلام أشعرهم،
8
وسنرى تفصيل هذا فيما بعد.
وأما أدبه فقد كان عليه السلام أفصح العرب؛ لأنه تربى في حجر الرسول
صلى الله عليه وسلم ، وتأثر به وبالقرآن كل التأثير من نعومة أظفاره، زد على ذلك تلك الهبة الإلهية التي يصطفي الله بها من يشاء من خلقه، فتنفجر بذلك منهم ينابيع البلاغة؛ كل هذه الأسباب، وكذلك الأحوال السياسية جعلت منه خطيبا فصيحا، وإماما من أئمة البيان، وهو كما قال الشريف الرضي: مشرع الفصاحة وموردها، ومنشأ البلاغة ومولدها، ومنه عليه السلام ظهر مكنونها، وعنه أخذت قوانينها، وعلى أمثلته حذا كل قائل خطيب، وبكلامه استعان كل واعظ بليغ، ومع ذلك فقد سبق وقصروا، وتقدم وتأخروا ، ولأن كلامه عليه السلام الكلام الذي عليه مسحة من العلم الإلهي، وفيه عبقة من الكلام النبوي.
نامعلوم صفحہ