عصر انحطاط: تاریخ امت عرب (حصہ سات)
عصر الانحدار: تاريخ الأمة العربية (الجزء السابع)
اصناف
وقد اهتم المماليك اهتماما خاصا بالفروسية وما إليها؛ لأنهم قوم وصلوا الملك والإمارة عن طريق الفروسية ، ولذلك كان أكثر همهم أن يعتنوا باقتناء المماليك ويمرنونهم على ركوب الخيل، ورمي النبال، وأعمال الفروسية، والحروب.
ومما ينبغي الإشارة إليه مسألة الملابس وتعدد هيئاتها، وتنوع ألوانها، وكثرة التألق فيها، فقد كان الناس في صدر الإسلام يلبسون ما تصل إليه أيديهم من اللباس الساذج، وكذلك كان الأمر في عصر بني أمية إلا في أواخره وأوائل العصر العباسي، فلما تعمق العباسيون في الملك تفننوا في التأنق والتبرج، وبخاصة النساء والغلمان، وقد حذا الفاطميون في مصر حذو العباسيين والأندلسيين، فلما انقرض هؤلاء وجاء عصر الأيوبيين والمغول والمماليك، اضطربت الأزياء والأشكال اضطرابا واضحا، فكثرت الألوان وتعددت الهيئات، وأخذ الناس يلبسون في رءوسهم أنواعا غريبة من لباس الرأس بعد أن كانت السذاجة في العصور السابقة واضحة، فلبسوا في هذه العصور: الكلوتات، والطواقي، والكلاهات، والدنباكيات، والأقباع، وما إلى ذلك من ألبسة الرأس العديدة من دون أن يضعوا عليها الشاش التقليدي أو الطيلسان القديم، وكانوا يطيلون شعورهم، ويجعلونها في أكياس من الحرير الأحمر أو الأصفر إلى خلفهم، وكانوا يشدون في أوساطهم بنودا من صنع مدينة بعلبك، كما كانوا يشدون فوق قماشهم إبزيم جلد وفيه نحاس، وفي ذلك الإبزيم ملعقة من الخشب كبيرة وسكين كبيرة، وكانت لهم مناديل من الخام بمقدار فوطة كبيرة لمسح أيديهم، وقد ظلت هذه الهيئات حتى استقبحها بعضهم، ولكن أحدا لم يجرؤ على الدعوة إلى تغييرها ولبس الثياب الساذجة ذات الألوان البسيطة والهيئات العادية حتى تولى الملك السلطان قلاوون، وكان من عظماء ملوك المماليك، فأمر بمنع لبس هذه الثياب المضحكة الشنيعة .
10
وقد لاحظ بعض هذه الأمور مؤلف كتاب «نهاية الرتبة» فعقد فصلا مطولا لطيفا في الحسبة على الخياطين قال فيه: يؤمرون بجودة التفصيل، وحسن فتح الجيب، وسعة التخاريس، واعتدال الكمين والأطراف، واستواء الذيل، والأجود أن تكون الخياطة درزا لا شلا، والإبرة دقيقة والخيط في الخرم قصيرا؛ لأنه إذا طال اتسخ، ومما ذكره من طريف حيل الخياطين في ذلك الوقت قوله: فمنهم من إذا خاط ثوبا حريرا أو نحوه وقف كفه وحشاه رملا وأشراسا ، ويسرق كقدره من الثوب إذا كان موزونا عليه، ومما ذكره في الكلام عن الرفائين: أن يحلفهم - صاحب الحسبة - على أن لا يرفوا لأحد من الخياطين والقصارين ثوبا مخرقا إلا بحضرة صاحبه، ولا ينقل المطرز أو الرقام رقم ثوب إلى ثوب آخر.
وبعد، فتلك هي نبذة من أحوال الناس الاجتماعية في العصر الذي نؤرخه، وهي، كما ترى، أحوال غلب عليها الشر، وسيطرت عليها الدناءة في الغالب، ولذلك كثر المصلحون ودعا الداعون إلى الخير واتباع نهج الفلاح.
الفصل الخامس
الحالة الإدارية في الشام ومصر وشمال إفريقية بعد سقوط بغداد ووقوعها تحت السيطرة
العثمانية
من المعلوم أن إدارة البلاد في الشام ومصر قد بقيت في العصر الأيوبي على النمط الذي كانت عليه في العصر الفاطمي، فإن الأيوبيين كانوا قوما أصحاب دولة حديثة غلبوا قوما هم أصحاب دولة عريقة في النظام والإدارة، ولذلك كان طبيعيا أن يحافظ هؤلاء على أسلوب الإدارة القديمة إلا ما اقتضته طبيعة السياسة الجديدة من إقصاء بعض العناصر الحاكمة أو الطرق المخالفة لمذهب الدولة الجديدة، فأقصوا الموظفين الشيعيين، وغيروا خطط القضاء، وأحلوا المذهب الشافعي محل المذهب الفاطمي.
وكان السلطان أو نائبه في أيام الأيوبيين هو الحاكم المطلق المتصرف بشئون البلاد، وكان إلى جانبه في القاهرة أو إلى جانب نائبه في الشام جماعة من الموظفين والقضاة يساعدونه في إدارة البلاد من النواحي المدنية أو القضائية، وكان الملك العادل نور الدين محمود قد أنشأ في دمشق حين تملكها دارا ضخمة سماها «دار العدل»، كان يجلس فيها للفصل في القضايا الواقعة بين الناس وللقيام بالأعمال الإدارية والإصلاحية، ولما احتل السلطان صلاح الدين ديار مصر بنى لنفسه فيها «دار عدل» للنظر في المظالم والعمل على إحقاق الحقوق، وكان يجلس في تلك الدار في أيام مخصوصة ومن حوله قضاة المذاهب الأربعة، ومعهم صاحب بيت المال وأمراء الجيش، ومن ورائهم جمهرة من أرباب الوظائف الكبرى، والحرس وموظفي الإدارة، وكانت الظلامات والقصص تتلى عليه فيراجع القضاة وكبار الموظفين، ويناقش القضية معهم ثم يحكم فيها، وهكذا كان يفعل نوابه في الأقاليم في دور العدل التي شادوها على غرار داره، وكانت للأمراء والملوك الأيوبيين عناية شديدة وحرص زائد على إحقاق الحقوق، ورفع الظلم عن المظلومين، وكان للمحتسب في عهدهم شأن كبير؛ فهو الذي يفتش عن أهل المنكر والمفسدين وأهل الغش، ويؤدبهم ويقمع مفاسدهم، ويعمل على مراقبة الطرق وتنظيفها وتوسيعها، والحكم على أهل المباني المتداعية بإزالتها، وكان محتسب القاهرة يجلس في جامعي القاهرة والفسطاط يوما بعد يوم، ويبعث نوابه ووكلاءه إلى الشوارع والمنعطفات يفتشون أحوال المدينة، وأوضاع الباعات والسوقية، ويقدمون إليه التقارير عما رأوا من المنكر فيزيله، وكان صاحب الشرطة يعاونه، كما كان القاضي يعاونه في تنفيذ العقوبات، وإقامة التعزيزات، وتأديب أهل المنكرات، وكان صاحب الشرطة أيضا من كبار رجال الدولة وأكثرهم نفوذا وجاها، وكان له مقر خاص يجلس فيه ويبعث أعوانه ووكلاءه لإقامة الحدود وتنفيذ الأحكام.
نامعلوم صفحہ