عصر انحطاط: تاریخ امت عرب (حصہ سات)
عصر الانحدار: تاريخ الأمة العربية (الجزء السابع)
اصناف
وقد ضاق الناس بهذه العملة ذرعا، وحملت عدة أحمال منها من تبريز إلى العراق ليتعامل الناس بها، فامتنعوا أول الأمر، ثم ألح السلطان عليهم وكاد الأمر أن يؤدي إلى ثورة، فرجع السلطان عن ذلك مؤقتا، ثم أكرههم على استعمالها في سنة 697ه، وأصابهم بذلك ضرر كبير حين كان يستبدل الورق بالذهب والفضة؛ فبطلت كثرة المعاملات وتعطلت الأمور، وكان الناس إذا أرادوا شراء أقواتهم دفعوها إلى الخبازين أو القصابين، ووضعوا تحتها العملة الفضية أو الذهبية فيأخذها الخباز أو القصاب وغيرهما، ويأخذ صاحب الحاجة حاجته خوفا من أعوان السلطان.
وهكذا قاسى الناس ويلات من هذا الظالم، ولقيت البلاد شرورا وآثاما.
الفصل الرابع
الحالة الثقافية والاجتماعية في الشام ومصر بعد سقوط بغداد
نضجت العلوم والآداب والفنون في العصر الفاطمي والعصر الأيوبي - كما رأينا - وكانت هذه الحركة الثقافية الرفيعة امتدادا للحركة الثقافية في العصر العباسي، وقد تنافس الخلفاء والملوك والأمراء في نشر العلم وبناء دوره، وتشجيع أصحابه، واقتناء كتبه، وتأسيس خزائنه، وفتح مدارسه ومعاهده، والإكثار من دور القرآن والحديث خاصة، وكان الخلفاء والملوك والأمراء يرعون هذه الحركة بأنفسهم، ويشيدون المعاهد برعايتهم، ويقتنون الكتب لخزائنهم والخزائن العامة، ويجزلون العطاء للكتاب والمؤلفين والخطاطين والنساخين، ويرعون طلاب العلم بالإنفاق عليهم، ولما جاء عهد المماليك استمرت هذه الحركة؛ لأنهم كانوا على الرغم من بعدهم عن العروبة يؤمنون بالإسلام ويخلصون له، ويتحمسون لعلومه وآدابه ولغته، وقد أبقوا لنا مدارس كثيرة في الشام ومصر والحجاز ما تزال شاهدة على حرصهم الشديد على نشر العلم وتعميمه، ولم يخل عصر أحدهم من إشادة مدرسة أو بناء جامع فيه مدرسة أو خزانة كتب، أو تأسيس كتاب للأطفال، أو دار قرآن للأيتام، أو دار حديث للطلاب، وقد ألفت كتب كثيرة في تاريخ هذه المعاهد والمدارس وأحوالها، وبخاصة في العصرين الأيوبي والمملوكي، ومن أشهر هذه الكتب كتاب «الدراس في المدارس» لابن حجي الحسباني وهو مفقود فيما أعرف، وكتاب «تنبيه الدارس» للقمي، وقد نشره المجمع العلمي العربي بدمشق، ومختصره للعلموي، و«مساجد دمشق» لابن عبد الهادي، وقد نشرته.
ومما هو جدير بالذكر أن بعض المماليك كان على جانب عظيم من العلم والمعرفة والفضل، فكان طبيعيا جدا أن يشجع العلم وأهله، ويهتم بإشادة المدارس وعمارة بيوت العلم أمثال الملك المنصور قلاوون، فقد بنى في مصر بناء ضخما اشتمل على «بيمارستان» مستشفى ومدرسة، ومكتبة، وجعل في البيمارستان عدة غرف واسعة مفروشة بالأسرة للمرضى الفقراء والأغنياء على السواء، وجعل فيه غرفا خاصة بالنساء، وسمى فيه عدة أطباء وكحالين وممرضين ومدرسين يدرسون فنون الطب والكحالة، وجعل إلى جانبه معملا كيماويا جهزه بكل أنواع المعدات والآلات الطبية، وبنى إلى جانبه خزانة كتب ضخمة فتح أبوابها للجمهور، وملأ خزائنها وأدراجها بالنفائس من مخطوطات الطب والعلم والأدب والدين من كل فن، وعهد إلى جماعة من أهل العلم بالإشراف عليها ومساعدة روادها وطلاب العلم، وجعل إلى جانب ذلك مدرسة واسعة، سمى فيها المدرسين والفقهاء على المذاهب الأربعة، وبنى إلى جانب ذلك مكتبا لتعليم الأطفال، ودار قرآن لتعليم القراءات، وميتما واسعا لتربية الأيتام، ولا تزال آثار هذه الجامعة العظمى شاخصة إلى أيامنا هذه تشهد لبانيها الملك الصالح العادل العالم بالفضل والخير وحب الإصلاح.
ومن المماليك الأفاضل البارعين بعلوم العربية والدين: الملك الناصر بن قلاوون، فقد كان مثل أبيه، ورووا أنه كان بارعا بعلوم الفقه والحديث والأصول، كما كان عارفا بالآداب العربية وعلومها، وكان يجلب العلماء إلى مجلسه ويناقشهم في مسائله، ويقرب أفاضلهم، ويجزل عطاءهم، وهو الذي بنى كثيرا من دور العلم ، وهو الذي أعاد إلى المؤرخ العالم الجليل إسماعيل بن علي المشهور بأبي الفداء مملكة حماه، وما ذلك إلا لفضله، وقد خلف لنا كثيرا من دور العبادة والتدريس، ومن أعظمها: مسجده المعروف بالجامع الجديد في القاهرة، وبنى جامعا آخر بجانب جامع أبيه العظيم في شارع النحاسين بالقاهرة، كما بنى دار العدل العظمى وعددا كبيرا من المدارس في كثير من المدن الشامية والمصرية.
وكان الملك الظاهر جقمق محبا للعلم والفنون الجميلة، كما كان حريصا على بناء دور العلم، وتزويدها بالمصاحف المتقنة الجميلة، والكتب النادرة، والتحف النفيسة.
1
ومما هو جدير بالملاحظة أن الديار المصرية والشامية كانتا حافلتين منذ القديم بمعاهد العلم من مدارس ودور كتب، ومن أشهر هاتيك المعاهد في القديم: دار الحكمة التي أنشأها الحاكم بأمر الله بن العزيز بالله في سنة 395ه وحمل إليها الكتب من خزائن القصور الملكية والمساجد القديمة، ووقف عليها ما تحتاج إليه، وعهد بإدارتها إلى جماعة من أهل الفضل يتعهدونها، ويعملون على تثقيف الناس فيها، سواء بمحاضراتهم يلقونها فيها، أو بمناظراتهم بين المترددين إليها، وقد ظلت هذه الدار عامرة بالعلم وأهله حتى دخل صلاح الدين إلى مصر وحولها إلى مدرسة للشافعية.
نامعلوم صفحہ