عہد انبثاق: عرب قوم کی تاریخ (حصہ اول)
عصر الانبثاق: تاريخ الأمة العربية (الجزء الأول)
اصناف
وقد اغتنم الفراعنة المصريون سقوط الدولة الآشورية، فحاولوا غزو سوريا الشمالية والجنوبية، إلا أن «نابوبولاصر» جهز حملة قوية برئاسة ابنه «نابوخذ نصر»، والتحم الجيشان الفرعوني والكلداني عند قرقميش «جرابلس»، وانكسر الجيش الفرعوني، وهكذا ظل سلطان الكلدانيين نافذا على بلاد الرافدين وسوريا بجزأيها، واحتل الملك نابوخد نصر مدينة أورشليم، وأمعن في أهلها قتلا وتخريبا، وأسر ملكها، وسبى أهلها وساقهم أسرى أرقاء إلى بابل، وظلت الدولة الكلدانية في عهده ترفل في ثياب العزة ثلاثة وأربعين سنة.
فلما هلك خلفه ابنه، وكان ضعيفا؛ استولى عليه رجال الدين، وتداخلوا في إدارة الملك، واستطاعوا أن يجعلوا أحدهم «نابونائيد» ملكا، ولكنه لم يوفق للإمساك بزمام الأمور، فتضعضعت الدولة، وأحس الفرس بضعضعتها؛ فأغاروا عليها بزعامة ملكها قورش في سنة 538 قبل الميلاد، وسقطت الدولة، وبسقوطها انتهى حكم العرب في بلاد الرافدين، وانتقلت السلطة والسيادة إلى الآريين الذين ظلوا يتحكمون فيها إلى ظهور الدولة العربية الكبرى في ظل الإسلام. •••
أما آثار هذه الدولة العظيمة في ميادين الحضارة والعلم، فلم تكن أقل من آثار سابقاتها في وادي الرافدين، فلقد كان الكلدانيون أصحاب عناية شديدة بالفلك والتنجيم والرياضيات والهندسة والطب والزراعة والطبيعيات والإلهيات، وقد انتفعوا بالحضارة البابلية القديمة، وأضافوا إليها كثيرا من بحوثهم الخاصة، وقد كان للكلدانيين هؤلاء أثر قوي جدا في تثقيف عرب قلب الجزيرة قبل الإسلام، فإن صلاتهم بهم كانت جد قوية، وقد أفادوا منهم كثيرا من معلوماتهم في الأنواء والنجوم والطب والطبيعيات والإلهيات، ولا أدل على ذلك من قصة إبراهيم - عليه السلام - وأبيه اللذين كانا من هؤلاء الكلدانيين، والتي ذكرها القرآن الكريم مفصلة.
10
ومن آثار الكلدانيين الخالدة على حضارة وادي الرافدين تأثيرها في لغات أهل هاتيك الأقاليم، فقد أثرت اللغة الكلدانية في اللغات التي كانت منتشرة في ذلك الوادي، وطبعته بطابعها؛ النحوي والصرفي والبياني والأدبي، بل إنها تغلبت على تلك اللغات جميعا، وغدت لغة التخاطب في الوادي وسوريا وفينيقية وشبه جزيرة سيناء وبعض ديار مصر، والسر في ذلك أن هذه الكلدانية كانت لغة غنية في مفرداتها، سهلة في تعبيراتها، مرنة باستعمالاتها، غنية في آدابها من شعر ونثر، منيعة في نحوها وصرفها، منطقية في قواعدها.
11 (6) الدولة الفينيقية
الفينيقيون هم من الكنعانيين والآراميين الذين تركوا قلب الجزيرة العربية، وانساحوا إلى بلاد الشام في فجر الألف الثالث قبل الميلاد أو قبل ذلك بقليل، وكانوا قبائل رحلا يقطنون السهول الخصبة في ديار الشام ، ولما توطدت أقدامهم في تلك الديار أسسوا لهم في القرن الخامس والعشرين قبل الميلاد دولة عريقة ذات حضارة، فبنى الكنعانيون مدينة صور في القرن الثالث والعشرين قبل الميلاد، وبنى الآراميون مدينة جبيل في القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد، كما بنوا مدينة بيروت (بيريت) في القرن الثاني والعشرين ق.م.
وكانت حدود دولتهم تبدأ من حدود جبال طوروس شمالا إلى نهر الدامور جنوبا، وفي أوائل القرن الأول من الألف الثاني اتحد الشعبان من الكنعانيين والآراميين، وكونا دولة واحدة هي الدولة الفينيقية العظمى الممتدة من شمالي سوريا إلى جنوبيها.
وقد كانت هذه الدولة مؤلفة من عدة مدن، وكل مدينة تكون مملكة مستقلة عن الأخرى، وأجل هذه الممالك مملكة جزيرة أرواد، ومملكة مدينة جبيل، ومملكة مدينة بيروت، ومملكة مدينة صيدا، ومملكة مدينة صور، وكانت مملكتا صور وصيدا في عراك دائم، وتنافس قوي على السيادة.
وكانت حكومة صيدا في أيام قوتها تحكم الأهلين حكما مطلقا استبداديا إلا في بعض الفترات؛ فإنها كانت تتقيد بمجلسين؛ أحدهما للشيوخ، والآخر للنواب، كما كانت حكومة صور في أول أمرها حكومة مستبدة، ثم تقيدت بمجالس عامة مؤلفة من أغنياء الشعب، ومرتبطة بمشورة رجال الدين والقضاء، ويذكر بعض المؤرخين أنها كانت جمهورية خلال فترة من الزمن، وستظل هذه الأمور غير واضحة إلى أن يكتشف ما يثبتها.
نامعلوم صفحہ