عصر انبعاث: تاریخ امت عرب (حصہ آٹھواں)
عصر الانبعاث: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثامن)
اصناف
المقدمة
أطل القرن الثالث عشر للهجرة مع نهاية القرن الثامن عشر للميلاد، وكانت الإمبراطورية العثمانية هي المسيطرة على أكثر أرجاء العالم العربي، وإن كانت هذه السيطرة روحية في بعض أقاليمه كشمالي أفريقية ومصر والسودان. أما الجزيرة العربية والعراق والشام فكانت تحت النفوذ المطلق للإمبراطورية، كما كانت في حالة عجيبة من التفكك والتفسخ الداخلي والخارجي.
ولما حاول السلطان سليم الثالث العثماني إصلاح الأمور، وتنظيم الجيش والأخذ بطرائق الإصلاح الأوروبية الحديثة، بمعونة سفير نابليون الثالث لدى بلاطه الجنرال سباستياني
Sebastiani ، لم يمكنه الجنود الانكشاريون المرتزقة من ذلك، وأكرهوه على أن يخلع نفسه، وتم لهم ذلك في سنة 1807م، وفتكوا بجميع زعماء الإصلاح الذين آزروا السلطان في حركته الإصلاحية، وأجلسوا على العرش ابن عمه مصطفى الرابع الذي سار معهم كما يريدون، وأرجع الإمبراطورية إلى طرائق الرجعية والفساد. وكذلك فعلوا مع خلفه السلطان محمود الثاني، الذي أراد أن يخطو خطوة نحو الإصلاح، فوقفوا في وجهه فترة إلى أن تغلب عليهم وأصدر «فرمانا» شاهانيا في سنة 1826م أوجب به تأليف جيش نظامي حديث في الإمبراطورية، وفتك بعدد كبير من الانكشارية، وقضى على سلطانهم قضاء مبيدا. ولكن الدول الغربية الطامعة في استعمار الإمبراطورية العثمانية لم تترك السلطان المصلح يتم خطواته؛ ففي سنة 1827م اتفقت الدول الثلاث: روسية وإنكلترة وفرنسة، فيما بينها، على تجزئة أوصال الإمبراطورية العثمانية، وحطمت أسطولها في معركة «نافارين» المشهورة. ثم تتابعت المحن على الدولة العثمانية المريضة، فلم تمكن السلطان محمودا الثاني من إتمام إصلاحاته ولا إلى إعادة القوة إلى الجسم المريض.
ومنذ ذلك الحين أخذت المقاطعات والولايات الخاضعة للدولة العثمانية تفكر في الاستقلال عن الدولة والانفصال عنها شيئا فشيئا، وكان الانبعاث العربي؛ فسارت البلاد العربية في طور جديد.
الباب الأول
الفصل الأول
أوليات الانبعاث العربي في الشام ومصر
رأينا في الجزء الماضي الخاص بتاريخ «عصر الانحدار» سوء الحالة العامة التي بلغت إليها الدولة العثمانية التركية المسيطرة على دنيا العرب، وبخاصة في ختام القرن الثاني عشر للهجرة. وبينما كانت الدولة تسلك طريق الانحدار والتدهور، كان عدد من الزعماء في الشام ومصر يحاول بعث الأمة العربية، وكانت فلسطين ولبنان ومصر ميدانا لتسابق أولئك الزعماء، وكان من أبرزهم الشيخ ظاهر العمر الزيداني، الذي رأينا طرفا من سيرته، وسمعنا بأهدافه الرامية إلى الاستقلال وتأسيس ملك عربي في الشام.
والشيخ ظاهر هو بدوي الأصل، كان أبوه من زعماء البادية الأذكياء الأقوياء المقربين من الأمير بشير الشهابي حاكم لبنان. ولما رأى الأمير الشهابي كفاية الزيداني، سماه أميرا على منطقة صفد، فقضى فيها عمره على خير حالة، ولما مات خلفه ابنه ظاهر في سنة 1737، وعمل على توسيع رقعة إمارته فضم إليه طبرية، وما زال يتوسع حتى سيطر على عكا وأصلح أحوالها، ورمم أسوارها، وأعاد الهدوء والسكينة إلى سائر المنطقة، وسار بالناس سيرة عادلة، وعامل أهل الذمة بما يقضي به الشرع؛ فأحبه الناس، وشجع الزراعة والصناعة والتجارة فازدهرت البلاد في عهده. ولم تأت سنة 1750م حتى كان الحاكم المطلق لفلسطين، ورأى أن علي بك حاكم مصر رجل مرهوب الجانب كثير المطامع، فتعاهد معه، ثم تحالف مع روسية ضد الإمبراطورية العثمانية، واستطاع أن يستولي على صيدا ويطرد واليها العثماني بمعونة المراكب العسكرية الروسية، التي كانت شرقي البحر الأبيض المتوسط في سنة 1772م. وامتد سلطانه من جنوبي لبنان حتى حدود مصر، فقلقت الدولة العثمانية بسبب مطامعه، وطلبت إلى والي دمشق التركي وأمير لبنان الشمالي أن يزحفا عليه بجيش لجب، فتمكنا منه واستطاعا أن يحاصراه ويتآمرا مع بعض رجاله على قتله غيلة، واحتلا مدينة صيدا. وكان في جيش دمشق التركي ضابط حدث، اسمه: أحمد الجزار، استطاع بدهائه وذكائه أن يحل محل ظاهر العمر، ويستولي فيما بعد على كافة المنطقة.
نامعلوم صفحہ