وكذلك يقضون أيام أعيادهم بالرقص والطرب، وكل سكان كرال يذبحون في كل يوم عيد «بقرة»، ويفعلون ذلك بطعنها بالحراب في مواضع مختلفة حتى يسيل دمها وتفارقها روحها، وبعد ذلك يقسمونها بجلدها، وكل منهم يأخذ نصيبه ويشويه على النار، ويأكله مع أفراد عائلته. والساكنون منهم في خارج المدن يصنعون بيوتهم كالأكواخ، فتارة يصنعونها من البوص وطورا من الخيزران، ويسقفونها بتراب الطفل بعد عجنه بالماء. أما القاطنون في المدن؛ فأكثرهم يبنون مساكنهم بصناديق السردين الفارغة بعد ملئها بالتراب؛ لتحمل صدمات الزوابع والأمطار. أما ملابسهم فلا يهتمون بها مطلقا، وهم في غالب الأحيان عراة إلا رءوسهم، فإنهم يغطونها بأي شيء، ويكثرون من الحلقات في آذانهم وأيديهم وأعناقهم وأرجلهم، ومتى لبس أحدهم ثوبا فلا ينزعه عنه حتى يبلى.
ومنهم قبائل تسمى قبائل الكفرة، تعتقد بالأرواح، ومن عاداتهم أنه إذا مرض أحدهم مرضا خطرا يأخذ أهل المريض بقرة مسنة من عند أحد أقاربه؛ ليذبحها ضحية للأرواح، وبعد ذبحها يأخذون دمها ويحفظونه في وعاء ويضعونه في عشة مقفلة، ثم يفرقون على الجيران لحمها، فيأخذونه ساكتين؛ لئلا يزعجوا الأرواح المطالبة بشفاء المريض، ثم تذهب الأبكار، ويأتين بفروع الزيتون، ويضعنها على اللحم المراد توزيعه، وعلى كل مدعو أن يقدم تقدمة صغيرة زرا كان أو قطعة من الحديد ونحو ذلك ثم يبدأ بالأكل، وبعد ذلك يحملون العظام بكل احتراس ويضعونها في العشة التي وضع فيها الدم، ويضعون عليها أغصان الزيتون التي كانت على اللحم، ثم يحرقون العشة وفي ظنهم أن الدخان المتصاعد يسر الأرواح، وإذا توفي المريض ظنوا أن الأرواح غاضبة. ومن عاداتهم استيلاء الابن الأكبر على جميع نساء والده بعد وفاة هذا الأخير. والنساء في قبائل الزولس يعملن في فلاحة الأرض، وعلى الرجل أن يلاحظ المواشي فقط. ويقضي الرجال أوقاتهم في الصيد والتدخين، وإذا كانوا في سفر فعلى النساء حمل جميع الأحمال، حتى أولادهن، وهن عند رجالهن كالحيوانات، وللتدخين عند هؤلاء القبائل مزية عظيمة، لكل منهم قصبة مصنوعة من قرن البقر، يبطنونه بما يمنع احتراقه، ويوقدون فيه نوعا من الكتان البري، فعله كفعل الأفيون، يسبب لهم سعالا قويا يمكث بضع دقائق.
أما لغتهم فإنها كثيرة الأمثال والحكايات، يقضون الليالي في سردها، ويتوارثون ذلك أبا عن جد. أما قبائل البازوتس فقد كانوا في غاية التوحش، ولكنهم خطوا خطوة طويلة في سبيل التمدن. وبلادهم حافلة بالسكان، وأكثرهم يتجر في الصوف ويبنون منازلهم بالطوب والأحجار. ويدين كثير منهم بديانتهم القديمة، وهي عبادة الإله «باريني»، ويعتقدون أن له علاقة مع أرواح الأموات، ويصدقون بالخرافات التي لا يقبلها العقل. ويحل عند بعض القبائل قتل العجائز والمقعدين والمصابين بالأمراض العضالة التي لا سبيل إلى الشفاء منها.
ومن مصائبهم الكبرى إنكار الحكومة عليهم حق امتلاك شبر واحد من الأرض، وإذا أراد أحدهم أن يشتري قطعة للاسترزاق منها، يقصد أحد البوير ويستعير اسمه ويشتري الأرض، ويسجلها باسمه، فإذا كان البويري صاحب ذمة عاش العبد في مأمن من غدره، أما إذا وسوس له شيطان الطمع طرد العبد من أرضه واستولى عليها غنيمة باردة، فيتركها العبد بحالة تفتت الأكباد، ولا يجد مسليا إلا البكاء ولا ملجأ غير الشقاء، وماذا يفعل وباب العدل مغلق في وجهه والمحاكم لا تسمع له شكوى ولا تجيب له نداء؟!
الجزء
تاريخ الترنسفال
تأسيس مدينة رأس الرجا الصالح
لا بد من الإتيان على تاريخ هذه المدينة قبل النظر في تاريخ الترنسفال لما بين الاثنين من العلاقات التاريخية.
في سنة 1498 اكتشف الرحالة البرتغالي فاسكو دي جاما طريق الهند عن رأس الرجاء، فكان من خير الاكتشافات وأهمها لتسهيل التجارة ما بين هولندا والهند، فتأسست في هولندا شركة تجارية عظيمة، سميت باسم شركة الهند الهولندية، وصارت ترسل البضائع من هولندا على مراكبها وتستبدلها بالبضائع الهندية، ولم يكن سير المراكب سهلا لما كان يتهددها من المخاطر قبل وصولها إلى مكان مدينة رأس الرجا، فلم يكن ملاحوها ولا ركابها في مأمن إلا بعد وصولهم لسان داخلة في البحر، فإذا بلغوه قالوا: لقد وصلنا إلى رأس الرجا الصالح، فشاعت هذه التسمية. وفي سنة 1652 كان في أحد مراكب الشركة طبيب ماهر هولندي يسمى ريبيك، فخطر له في إحدى رحلاته أن يبني مدينة هناك، تكون ملجأ للسفن إذا أصيبت بسوء وتكون مينا في جنوب أفريقيا، تقف عندها المراكب، ولم يتردد في هذا العزم، بل أخرجه سريعا من حيز الفكر إلى العمل، فوضع أساسها وسميت باسمها الشائع إذ ذاك؛ أي: رأس الرجا الصالح. ولم يمض عليها قليل من الزمن حتى حل فيها بعض الناس من الذين تحطمت مراكبهم، فسلموا من الغرق وأسماك البحر. ثم تنبهت شركة الهند الهولندية لتعمير هذه الجهات تماما، فأسست فيها شركة زراعية لهذه الغاية، ولغايتها الخصوصية، فخدمها السعد وقصدها كثير من المهاجرين تقدموا للعمل، فكانت تعطي لكل قاصد ما يكفيه من الأرض التي تمكنه زراعتها مع الأدوات اللازمة لفلاحتها والحبوب الكافية. وبالجملة فإنها كانت تعطيه كل ما يحتاج إليه على شروط مؤداها أن لا يبيع محاصيله إلا للشركة، فكثرت السكان وامتدت المساكن إلى جهة الشمال، وصارت مدينة هولندية، وتعين مؤسسها حاكما عليها من حكومة هولندا.
أصل البوير1
نامعلوم صفحہ