تاریخ تمدن اسلامی
تاريخ التمدن الإسلامي (الجزء الأول)
اصناف
كل ما تقدم من الحروب لا شيء من الفتح فيه وإنما هو غزو ومقاتلة، وأما الفتوح الإسلامية فأولها فتح أرض بني النضير وهم يهود، حدث حادث دعا إلى مطالبتهم بالجلاء عن بلادهم فطلب النبي أن يجلوا عنها فحاصرهم ستة أيام «سنة 4ه»، فطلبوا إليه أن يخلي سبيلهم على أن يحملوا معهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا السلاح، فأجابهم إلى ذلك فخرجوا وظل ما بقي من أموالهم فيئا للنبي خاصة يعطي منه من يشاء، وكذلك حصل في قريظة وخيبر، وكان لخيبر حصون كثيرة فتحوها تباعا.
حصن خيبر.
أما القرشيون بعد واقعة الخندق فقد هان عليهم مهادنة المسلمين، فعقدوا معهم صلحا في نحو السنة السادسة للهجرة مفاده «أن من شاء من أهل المدينة أن يقدم مكة للحج أو العمرة أو أن يجتاز بها إلى اليمن أو الطائف فهو آمن، ومن قدم من أهل مكة أو من معهم من أهل الشام والمشرق ومر بالمدينة فهو آمن». (3-1) واقعة مؤتة
فتفرغ المسلمون لنشر الدعوة الإسلامية، وكان لفشل الأحزاب مع كثرة عددهم تأثير شديد على قبائل العرب وعظم الإسلام في نفوسهم، فجعلوا يفدون إلى المدينة لقبول الدعوة من تلقاء أنفسهم، وفي جملة الوافدين رجلان لهما شأن عظيم في تاريخ الإسلام، هما خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وكلاهما من أشهر القواد، فاعتز المسلمون بهم واتسعت آمالهم، فأرسل النبي في السنة التالية رسله إلى ملوك الأرض يدعوهم إلى الإسلام، في جملتها كتاب إلى المقوقس وإلى مصر، وبعث «سنة 8ه» جندا لمحاربة الروم في الشام، فحاربوهم في قرية من قرى البلقاء في حدود الشام مما يلي حوران اسمها مؤتة، وتلك أول حروبهم مع الروم، والعرب لم يجربوا الجنود المنظمة بعد، فلم يفلحوا فعادوا إلى المدينة وقد قتل منهم بضعة من خيرة الصحابة فيهم زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة وجعفر بن أبي طالب أخو علي.
كتاب النبي إلى المقوقس عثر عليه بعض الفرنسيين سنة 1275ه. (تفصيل ذلك في الهلال صفحة 103 و160 سنة 13).
وحدثت في أثناء ذلك حادثة أفضت إلى نقض الصلح بين المسلمين وقريش، فرأى أبو سفيان أنهم لم يعودوا يقوون على مناوأة المسلمين، فجاء بنفسه إلى المدينة لتجديد العهد، وأدرك المسلمون ضعف عدوهم فلم يغفلوا عن هذه الفرصة، فلما سألهم عن الصلح لم يجيبوه جوابا صريحا عن قبولهم إياه،
1
فلما عاد إلى مكة تجهزوا على عجل لكي يباغتوها قبل أن يتأهب أهلها للدفاع، فساروا حتى أقبلوا عليها وهم عشرة آلاف وفيهم المهاجرون والأنصار وقبائل من العرب المحالفة، وكان أبو سفيان وبعض كبراء قريش قد خرجوا من مكة يتجسسون، فلقيهم العباس بن عبد المطلب عم النبي، فسأله أبو سفيان عما هنالك، فأخبره العباس بقوة جندهم واعتزاز أمرهم، فقال أبو سفيان «لقد أصبح أمر ابن أخيك عظيما» فأشار عليه العباس أن يستأمن، فلم ير لنفسه خيرا من ذلك، فجاء معه إلى معسكر المسلمين، فأكرم النبي وفادته ومنع الصحابة من إيذائه، لأنهم كانوا ينوون الإيقاع به، وزاد في تعظيمه حتى جعل كل من يدخل بيته من أهل مكة يوم الفتح آمنا مثل من يدخل المسجد.
مسجد مكة وفي وسطه الكعبة.
فعاد أبو سفيان وأخبر أهل مكة بما كان، فاستضعفوه وخذلوه وشتموه حتى إن امرأته هند بنت عتبة أخذت بشاربيه وقالت «اقتلوا الحميت الدسم الأحمس ... قبحه الله من طليعة قوم» فلم يبال.
نامعلوم صفحہ