وليكن معلوما للملك ابن ملك الدنيا أن الحكماء يعدون الملك الممكن هو من يعتنى بصلاح الزمن القادم أكثر من عنايته بما هو فيه حتى ينتهى ذكره حبيسا فى الدنيا والآخرة (1). مثلما قال أحد ملوك" فارس" للخاقان لقد طلبت من الترك ثأر مائة عام تالية بعدى ، فكل ملك يهمل قانون العقل فى إدارة الملك طلبا ليمن حاضره ، ويقول إن أثر فساد هذا الأمر سيتحقق بعد مائة عام أخرى ، ولن أدع اليوم تشفى النفس فلن أحيل إلى ذلك العهد إذن يجب معرفة أن لسان الخلق البعيد حتى وإن يكونوا جميعا أحفاده فسوف يكونون أكثر حدة وطولا فى النيل من مقولته مما عليه الحال فى عهده وسيبقى ذكر ذلك مدة أطول ولقد حررت هذا المعنى عن عملى حتى تعلم أن كل من يستشيرنى مثلما فعلت معى أنت تكرما ، وحين يظهر أثر نصيحتى فيه أهنا وسرورى فى الدنيا مبعثه هذا ، ولا يستطيع شخص قط على وجه الأرض من الملوك أن يصنع فى إحسانا ولا أن يسدى لى سعادة أخرى أكثر من هذا ، ولا تعجب من حرصى ورغبتى فى صلاح الدنيا طلبا لاستقامة قواعد أحكام الدين ، فالدين والملك توأمان لاصقان مولودان من بطن واحدة ، ولن ينفصل كلاهما عن الآخر قط وصلاحهما وفسادهما وصحتهما وسقمهما له مزاج واحد ، فأرضى بعقلى ورأى وفكرتى أكثر من الثرى بالمال ومن الأب بالأبناء ولذتى من نتائج الرأى أبلغ من ملاذ الشارب والغناء واللهو فأنواع السرور عندى هى :
أولا : الصورة الصائبة التى يكون عليها اعتقادى ونتائجها التى أراها كل يوم وليلة فى ظهور الصلاح بعد الفساد والحق بعد الباطل.
وثانيا : أن تسعد أرواح السالفين الأخيار برأيى وعلمى وعملى بحيث أسمع أصواتهم تقول أحسنت وأطالع بشاشة وطلاقة وجوههم.
وثالثا : إننى أعلم أن روحى سوف تأتلف فى القريب العاجل مع أرواحهم ائتلافا بلا خلاف ، فحينما نلتقى ببعضنا البعض فسوف نقص الحكايات عما فعلنا ، وسوف نسعد بذلك حتى يكون معروفا للملك ابن الملك أن رأيى لعامة الخلائق ما هو
صفحہ 33