98

وحج حجات كثيرة، وبني له في داره تربة حسنة منيرة، لا يكاد يخرج منها إلا لضرورة، وجعل عند رأسه خابية مسبلة لها نفع ماء أعمه، وأجزل له، وقف داره والبئر والفرن على تربته، وانقطع للعلم الشريف وخدمته وهو باق ولله الحمد مجتهدا في نفع الخلق، ورضى الحق، وله ميعاد نهار الجمعة بالجامع تخشع منه القلوب، وتجري فيه الدموع، وكم تاب فيه من تاب، وكم نيل فيه من طالب، ومن حين جلوسه على الكرسي ينتحب ويبكي، فإذا شاهده الناس على هذه الحالة، وقد ألبسه الله النور والجلالة خشعوا وتضرعوا، ثم أنصتوا واستمعوا، فإذا سمعوا جواهر قوله تصارخوا من حوله، فلو لم يكن له من الأعمال إلا هذا الميعاد لكفاه في الزاد إلى المعاد، وله أصحاب يلازمونه ويحبونه فتح عليهم من صحبته وانتفعوا ببركته.

فمن أصحابه الأكابر وأحبابه الأماثل الشيخ جمال الدين يوسف العكبري، صحبه زمانا طويلا فتخرج به وبرع في علم القراءات، واشتهر بحسن الصوت، والفصاحة، ثم اختص بصحبة القضاة من أيام شيخنا الخضري وإلى آخر وقت فصار معدودا من الفقهاء مطلعا على غوامض الأشياء وشكله من أحسن الأشكال، وبحسن طريقه ضربت الأمثال.

ومنهم الذكي الفهم، والطبع السليم، والطريق المستقيم، جمال الدين إبراهيم المعروف بابن الطرابلسي، كان أبوه من الجند بالقلعة، فأحضره إلي، وقال: هذا قد خرجت لكم عنه، ابتغاء ما عند الله، فلزمني مدة فوجدت عنده ذكاء وفصاحة، فأشرت عليه وعلى والده، أن يلازم الشيخ زين الدين لتشمله بركته، فلزم الشيخ ليلا ونهارا، فحن عليه وكابد معه حتى برع، وفاق، فقرأ القراءات السبعة، وأجازه بها، ثم دربه في قراءة الحديث حتى مهر فيها، وهو باق في خدمته ملازم لصحبته.

ومنهم العالم العامل، المتعفف الحامل، المفنن الكامل، ذو الفضل

صفحہ 210