108

الدنيا حين ملكها فتاب وأناب، وأعرض عن اللهو والارتياب، وشرع في الجد والاجتهاد، وأقبل على تحصيل الزاد النافع للمعاد، وشهر مذهب أهل السنة في البلاد، وغرس أهل العلم والفقه والتصوف بين العباد، وبنى المدارس، والخوانق، والأربطة، والقناطر، فمهد له أحسن مهاد، فلما فتح بيت المقدس المكرم المعظم في رجب سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، سر سرورا عظيما، وفرق جميع ما حصله من القدس الشريف، وغيره على الناس حتى لم يبق معه شيء، ومات ولم يخلف في خزانته من الذهب والفضة إلا سبعة وأربعون درهما، وجرما واحدا من الذهب صوريا، ولم يخلف دارا ولا عقارا، ولا ملكا، ولا بستانا، ولا قرية، ولا مزرعة، توفي بعد صلاة الصبح من يوم الأربعاء سابع عشرين صفر سنة تسع وثمانين وخمسمائة، وغسله الدولعي خطيب دمشق، وكان من الأكابر، فأظلمت البلاد من بعده، واستوحشت العباد لفقده، عامله الله بلطفه العظيم، وأوصله إلى جنات النعيم.

ثم تملك ولداه الأفضل والعزيز، ثم أخوه العادل أبو بكر، ثم الملك الناصر العزيز بدمشق، ثم المعظم عيسى، ثم الأشرف موسى، ثم الصالح إسماعيل، ثم الملك الصالح نجم الدين أيوب سنة سبع وأربعين وستمائة.

ثم كانت دولة الأتراك لما مات الملك الصالح نجم الدين أيوب، أجلس ولده المعظم فلم تغن عنه، فطوته أيدي الزمان.

فنهض مماليك والده، فدبروا الملك، فأحسنوا، وكسروا الأفرنج وأخذوا ملكهم فرنسيس، ثم اتفقوا على سلطنة الملك المعز عز الدين أيبك التركماني الصالحي، وهو أول من ملك من الأتراك بالديار المصرية في سنة ثمان وأربعين وستمائة، ثم الملك المظفر قطز في سنة سبع وخمسين وستمائة.

صفحہ 220