تاريخ القرصنة في العالم
تاريخ القرصنة في العالم
اصناف
في عام 1595م احتل رايلي مدينة ترينداد، بعدها قام الإنجليز في عام 1598م بنهب سان خوان، ثم اتجهوا ببصرهم بعد ذلك تجاه جاميكا، وكان هجومهم الأول عليها في مطلع شهر فبراير عام 1597م بقيادة أنتوني شبرلي، عندما أنزلوا فصيلة مكونة من مائتي وخمسين رجلا في بويرتو دي كاجوايا (تسمى الآن باسدج فورت)، ومنها واصلوا حملتهم نحو سانتياجو دي لافيجا عاصمة جاميكا، وقد ولت الحامية الإسبانية الصغيرة الموجودة بها أدبارها على الفور. إن بضع عشرات من الرجال في ظروف البحر الكاريبي آنذاك كانوا يمثلون قوة مؤثرة وخاصة؛ إذ كانوا يتمتعون بشجاعة مثل شجاعة هؤلاء اللصوص الذين يتميز هجومهم بالحنكة والمباغتة. لقد نهب اللصوص الإنجليز المدينة، ولم يتركوها إلا بعد أن حولوها إلى مجرد أطلال ورماد.
في عام 1600م يعود القراصنة من جديد، ليهاجموا جاميكا، ولكنهم يهاجمونها هذه المرة من الجانب الآخر من الجزيرة، ثم كانت الغزوة التي تلتها، والتي قادها وليم جاكسون في عام 1643م، من نصيب سانتياجو دي لافيجا. لقد نالت «جزيرة الجنة» إعجاب الإنجليز، حتى إن عشرين من القراصنة هربوا إليها بسفنهم، وانضموا فيها إلى الإسبان، ليستقر بهم المقام فيها أبد الآبدين.
سميت المرحلة التي تلت ذلك بالمرحلة الهولندية (1620-1640م)، في هذه الآونة قامت هولندا، وهي إحدى الدول المعادية لإسبانيا، بتطوير نشاطها الاستعماري على نحو مكثف في آسيا (إندونيسيا)، وفي أمريكا (نيو أمستردام وغيانا)، وخلال عام 1624 و1625م نجح القراصنة الهولنديون في الهجوم على بويرتوريكو.
إن «المآثر!» التي اجترحها اللصوص والقراصنة السابقون لتتضاءل أمام ما حققه البحار الهولندي بيتر بيترسون هاين، الذي اشتهر بين مواطنيه باسم بيت هاين، كان هاين ابن صياد هولندي يعمل في أعالي البحار، آخذا عن أبيه منذ نعومة أظافره فنون البحر، حتى إذا بلغ أشده تولى في عام 1628م قيادة أسطول شركة وست إنديا، الذي بنته هولندا في إطار استعداداتها للقيام بحملتها العسكرية على أمريكا. لقد بدا أنه أسطول كبير للغاية، يضم إحدى وثلاثين سفينة، يبلغ عدد البحارة العاملين عليها ثلاثة آلاف رجل، إلا أن هذا الأسطول كان في واقع الأمر أسطولا هشا على الرغم من كثرة العدد؛ فالأطقم العاملة عليه تفتقر إلى الخبرة، كما تفتقر إلى التسليح الجيد، ناهيك عن أن هاين قد تلقى مهمة صعبة، وأضحى يحمل على كاهله مسئولية جسيمة؛ إذ تلقى أمرا بالاستيلاء على قيادة إحدى سفن الأسطول «الفضي» الإسباني وما عليها من ثروة إبان إبحارها، محاطة بالحراسة في طريقها من أمريكا إلى أوروبا.
نظرا للمخاطر التي كانت تهدد الطريق البحري الذي يربط بين إسبانيا بممتلكاتها في أمريكا، والممثلة في لصوص البحر والقراصنة المنتشرين على طول هذا الطريق، فقد قررت الغرف التجارية الإسبانية، وكانت قد أسست في عام 1530م محتكرة كل التجارة البحرية، استخدام سفن حربية جبارة لتحمي قوافلها البحرية التجارية إبان نقلها للثروات من أمريكا إلى إسبانيا، لكن الأمر لم يكن دائما ليسير على هوى سفن الأسطول «الذهبي» أو «الفضي»، فعندما كانت إحدى سفن هذه الأساطيل تضطر، بسبب حادث يقع لها أو لسوء الأحوال الجوية للانفصال عن القافلة، كانت تصبح على الفور تحت رحمة اللصوص الإنجليز والفرنسيين والهولنديين، بل وكل قراصنة الكاريبي المنتشرين في البحر. لقد كان الجميع يترقبون وقوع مثل هذه الأحداث، وهم يتتبعون قوافل السفن الإسبانية تماما، مثلما تتبع أسماك القرش ضحيتها.
ذات مرة قامت إحدى سفن القراصنة الفرنسية ، وكانت مختبئة عند شواطئ كوبا، بالهجوم على سفينة إسبانية بطريقة التصادم، وقد عثر القراصنة في هذا الغليون
4 - إلى جانب ما وجدوه فيه من ذهب - على خرائط بحرية حربية موضح عليها طريق بحري كان ما يزال آنذاك طريقا مجهولا، وهو طريق يستخدمه الإسبان في نقل الذهب وغيره من كنوز العالم الجديد إلى إسبانيا. كانت هذه «اللقطة» سببا في وقوع سلسلة من الهجمات على القوافل البحرية الإسبانية سواء «الذهبية» أو «الفضية».
لم يتسن لبيت هاين من قبل أن يحقق نجاحا كبيرا، أما الآن فقد أصبح لزاما عليه أن يقود أسطوله للهجوم على أحد الأساطيل «الفضية» الإسبانية المكون من أربعة غلاوين حربية ضخمة، تقوم على حماية إحدى عشرة سفينة تجارية صغيرة. كانت قوة نيران الغليون الإسباني الواحد تفوق نيران الأسطول الهولندي بأكمله.
اختبأ «بيت هاين» بأسطوله بالقرب من ماتاناس الواقعة شرقي هافانا في كوبا، بعد أن نجح في خداع حرس السواحل اليقظ. لقد تنبأ هاين أن أحدا لن يتوقع أن يلاقي أعداءه عند مدخل كوبا نفسها، وهي التي تعد واحدة من أكبر القلاع الإسبانية في منطقة جزر الأنتيل، وقد صدقت نبوءته.
لقد كان هجوم القراصنة الهولنديين غاية في الدقة والمباغتة، حتى إنهم لم يلجئوا لاستخدام مدفعيتهم، وتم لهم الاستيلاء على تسع سفن ضخمة محملة بالمعادن الثمينة والتوابل. وهكذا ضاع مجهود عام بأكمله بذله الرعايا والمستعمرون الإسبان أدراج الرياح. أما في أوروبا فقد اهتزت الثقة في رجال المال والأعمال الإسبان، ولم يجد سكان كاستيليا حتى ما ينفقونه على الجيش.
نامعلوم صفحہ