تاريخ القرصنة في العالم
تاريخ القرصنة في العالم
اصناف
محظور امتلاك حتى أقل المسروقات قيمة بلا تصريح بذلك، بل تخضع جميع الأشياء للحساب، ثم يأخذ القرصان جزأين من عشرة (20٪)، وتدخل الثمانية أعشار الأخرى في المخزن، لتكون ملكية عامة. امتلاك أشياء من الرصيد العام يعرض من أخذها للإعدام.
وقد وضعت هذه المرأة الماهرة في حسبانها أن تكون هي الوحيدة التي لا تأخذ لنفسها شيئا، وجدت في البحث عن حلفاء، وكذلك عن دعم من السكان. هناك مادة في ميثاق القراصنة تنص على الحظر الصارم لنهب الفلاحين، كما يفرض هذا الميثاق عليهم أن يدفعوا ضرائب على الخمر والأرز وبقية المنتجات الزراعية الأخرى. وقد مكن الحفاظ على هذه القواعد القراصنة من ضمانهم المواد الغذائية والذخائر بشكل دائم.
أظهرت تسين في إحدى المعارك البحرية مع أسطول الحكومة - دارت رحاها عام 1808م - موهبة استراتيجية عالية، فعندما اقتربت سفن الحكومة منها دفعت نحوها ببضع سفن، بعد أن أخفت باقي السفن وراء الرأس. وما إن انشغلت القوة الرئيسية بالمعركة مع تلك السفن، حتى هاجمتها تسين على رأس بقية السفن من الخلف، وقد لقي أسطول الحكومة هزيمته بعد معركة دامت طوال اليوم.
انتقاما من هذه الهزيمة أصدرت الحكومة الصينية أمرا للجنرال «لين-فا» بمعاودة الهجوم على القراصنة، ولكن «لين-فا» شعر بالخوف عند لقائه بأعدائه، وجبن عن مواجهتهم، وشرع في الانسحاب، ولكن القراصنة أسرعوا بمطاردته، ولحقوا بأسطوله بالقرب من ألونجابو، وما إن بدأت المعركة حتى هدأت الريح تماما، ووجد الأسطولان أنفسهما في مواجهة بعضهما البعض، وقد حكم على كليهما بالشلل التام، وفقدوا القدرة على القيام بأية أعمال عسكرية، عندئذ ترك القراصنة سفنهم، وأخذوا في الوصول إلى السفن الحكومية سباحة، ومرة أخرى يحرز القراصنة انتصارا باهرا ... في العام الذي تلا هذه الهزيمة، قام الأدميرال «تسون مين-صن» على رأس مائة سفينة بمهاجمة القراصنة. وبعد معركة هائلة انتهى الأمر بهزيمة لصوص البحر، على أن الحكومة لم تكن قد تمكنت بعد من مكافأة المنتصرين، إذ بها تفاجأ بالسيدة تسين تسيطر مرة أخرى على الموقف، فبعد أن استجمعت قواها المبعثرة، واستدعت لنجدتها عصابتين أخريين من القراصنة، انطلقت تبحث عن أسطول الحكومة المنتصر، وما إن عثرت عليه حتى صبت عليه جام غضبها انتقاما من الهزيمة التي منيت بها قبل فترة قصيرة.
بعد أن استنفد الإمبراطور الصيني كل طرق النضال ضد القرصنة لجأ - مثله في ذلك مثل الحكام الأوروبيين قبله في غابر الزمن - إلى إغراء القراصنة بوعود العفو عنهم، إذا هم توقفوا عن حرفتهم الإجرامية، الأمر الذي أتى ببعض الثمار. كانت أولى هذه الثمار هي ترك «أوبو-تايي» قائد الأسطول الأسود الذي يبلغ قوام طاقمه ثمانية آلاف بحار ومائة وستين سفينة للسيدة تسين، وبصحبته قراصنته ليستسلم للإمبراطور. كان بحوزة هذا الأسطول خمسمائة مدفع ثقيل إلى جانب خمسة آلاف وستمائة قطعة سلاح خفيفة (تدل هذه الأرقام، بالمناسبة، دلالة بليغة على ما كان لمنظمة السيدة تسين للقرصنة من قوة جبارة). كنوع من المكافأة قامت الحكومة الصينية بتقديم قريتين للقراصنة الذين فروا من الخدمة، أما «أوبو-تايي» فقد استحق منصبا رفيعا ولقبا حكوميا ساميا.
أصيبت السيدة تسين بالدهشة البالغة من جراء هذه الخيانة، على أن ما حدث قد ترك أثره عليها، إذ راحت تفكر: «كيف إذن ستكافئني حكومة الصين وأقوى عشر مرات من أوبو-تايي؟» على أن مسألة استسلام منظمة القرصنة الجبارة بكامل هيئتها كان أمرا أكثر تعقيدا من مجرد استسلام أسطول واحد، وبدأت المباحثات الطويلة والشاقة بين الحكومة والقراصنة. كان الوسيط فيها طبيبا من جزيرة ماكاو التي يحتلها البرتغاليون، ويدعى تشان.
وفي نهاية الأمر تم الاتفاق على أن يحصل كل قرصان يتخلى عن حرفة النهب على خنزير صغير، وبرميل من الخمر، ومبلغ من المال يمكنه من بدء حياة جديدة، لاقت هذه الشروط رضا البعض. أما القلة من القراصنة الذين رفضوا الاستفادة من هذا العرض؛ فقد سوت حكومة الصين حساباتها معهم بكل سهولة. منذ هذا الحين ساد الهدوء مياه الصين مؤقتا، أما السيدة تسين فقد أكملت حياتها تعمل بوصفها زعيمة عصابة للمهربين.
الفصل التاسع
قراصنة زماننا
بانتهاء القرن التاسع عشر، لم تعد القرصنة تمثل خطرا حقيقيا على الملاحة البحرية، مثلما كانت في بداية ظهورها، أما القرن العشرون فقد شهد بعض الأعمال الفردية للنهب البحري خاصة في البحر الأحمر وفي البحار المتاخمة للصين. لقد اتخذت عصابات القرصنة في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الحالي أشكالا منظمة على غرار المؤسسات الرأسمالية، إذ كان يتم إنشاء المؤسسة باستئجار عصابة من المجرمين، يخرجون للبحث عن الضحية المرتقبة. كان زعيم العصابة ومساعدوه يبدءون بجمع المعلومات عن السفينة الذين ينوون نهبها، وعن قائدها وبنائها وطاقمها، وما إلى ذلك من معلومات، فإذا ما جاءت نتائج الاستخبار المبدئي إيجابية، يأخذ القراصنة في التسلل إلى السفينة على هيئة مسافرين، بينما يتسلل البعض إليها للعمل ضمن طاقمها، ولا يبقى بعد ذلك إلا مهمة توصيل الأسلحة والذخائر إلى سطحها.
نامعلوم صفحہ