تاريخ نابوليون بونابرت
تاريخ نابوليون بونابرت: ١٧٦٩–١٨٢١
اصناف
3
بقيادة الإسكندرية، ترك هذا المركز في السابع من شهر تموز، وأخذ طريق دمنهور من وسط الصحراء حيث الجوع والعطش والحر المرهق، جعلت الجيش يكابد أوجاعا وعذابات لا تطاق، وأماتت الكثير من عساكره، إلا أنهم وجدوا بعض الراحة في دمنهور حيث وطد بونابرت مكانا لحاشيته عند الشيخ، وهو رجل مسن كان يتظاهر بالفقر لئلا يلحقه الظلم إذا هو كشف عن غناه، ثم والى الزحف إلى القاهرة، ولم يمر أربعة أيام حتى قاتل المماليك في الرمانية وأتلف بناية البكوات وخيالتهم.
كان القائد العام في هذا القتال الأخير قد نظم فرق الجنود إلى صفوف مربعة، كانت خيالة الأعداء تتحطم عليها بالرغم من قتالهم الجسور وشجاعتهم المتقحمة.
هذه الانتصارات العديدة التي ربحها بونابرت لم تكن سوى فاتحة انتصار عظيم فتح أبواب القاهرة للجيش الفرنسي، وفي أواخر تموز كان الجيش أمام مراد بك، في سفح الأهرام، فاستوحى بونابرت تلك الآثار الشاهقة القديمة، وفي حين أوشكت الحرب أن تنطلق من بركانها صرخ نابوليون قائلا: «أيها الجنود، إنكم ستقاتلون ولاة مصر، فاذكروا أن أربعين قرنا تشخص إليكم من أعالي هذه الآثار.»
أربعون قرنا بالحقيقة كانت تشخص إلى الفرنسيين من أعالي تلك الأهرام! أربعون قرنا أبصر الأول منها أيدي الطوائف المصرية، تلك الأيدي المستعبدة، تضع أساس هذه القبور الملكية العظمى، وأبصر الأخير منها أيدي الفرنسيين الأحرار تفتح آثار الاستعباد القديم في سبيل الرقي العام، إن الخطبة الموجزة التي تلفظ بها بونابرت إنما كانت تشير إلى المسافة التي تفرق بين المؤسسين والفاتحين؛ فالأولون، إنما هم القاسطون أو العبيد منذ نشأتهم، والآخرون، إنما هم الأحرار المتساوون، قوادا أو جنودا، كل بحسب استحقاقه، إن بين الفراعنة، أسياد الطوائف الخاضعة بالإرث لأكثر الأعمال مشقة، والقائد العظيم الذي قدم ليقول للمصريين: «إن الخلق لسواء عند الله.» ويبشرهم بحكم الفضائل والذكاء، إن بين هؤلاء لسلسلة من الرقي البطيء الشاق، تتصل حلقتها الأولى بالحجر الأول من الأهرام الذي وضعه البؤس الوراثي، والحلقة الأخيرة بنداء المحارب الذي لا يعترف بسوى الحكمة والجدارة لقيادة البشر، والذي يظهر نفسه أكثر رغبة وفخرا بنفوذ معارفه النيرة من عظمة سيفه، عندما قال بونابرت لجنود الجمهورية: إن أربعين قرنا تشخص إليهم، في حين كانوا أمام الطوائف التي استعادت بقايا الاستعباد القديم، هيج حماسة كتائبه؛ ليمدوا في خيرات رقي كلف الإنسانية أربعة آلاف سنة من الجهود والتضحيات، أما هذه الشواهد المهيبة فلم تكن بدون جدوى؛ إذ إن الجيش الفرنسي أجاب بانتصار عظيم على خطاب قائده البليغ.
ونعطي هنا وصف المعركة الهائلة كما كتبها بونابرت بنفسه: «في الثالث، عند مطلع النهار، التقينا بالحرس الذين دفعناهم من قرية إلى قرية.
وفي الساعة الثانية بعد الظهر، وجدنا أنفسنا أمام متاريس الجيش العدو، فأشرت إلى فرقتي القائدين دوزه وراينر بأن تتخذ مركزا لهما في الجهة اليمنى من الجيزة بشكل أن تقطعا عن العدو مواصلات مصر العليا التي كانت ملجأه الطبيعي.
عندما شعر مراد بك بحركة القائد دوزه عزم أن يهجم عليه، فأرسل أحد بكواته البسلاء مع جيش من صفوة الجنود، أما نحن فتركناه يقترب منا حتى إذا ما أصبح على قيد خمسين خطوة قابلناه برذاذ من القنابل أسقط منه عددا كبيرا في ساحة القتال، وما هي إلا فترة حتى كسر شر كسرة.
إذ ذاك استفدت من الظرف، فأمرت فرقة القائد بون التي كانت على النيل بأن تهاجم المتاريس، وأشرت إلى القائد فيال الذي يقود فرقة القائد مينو بأن يهجم بين الفرقة التي جاءت تهاجمه والمتاريس، بشكل أن يحقق الثلاث: منع الفرقة من الرجوع، قطع خط العودة على العدو، والهجوم على المتاريس من اليسار إذا كان من موجب لذلك.
لما استعد القائدان فيال وبون الاستعداد كله أصدرا أمرهما إلى الفرقتين الأولى والثالثة من كل جحفل بأن تصطفا للقتال، وأن تبقى الثانية والرابعة على ما كانتا عليه، تؤلفان دائما الجحفل المربع فتتقدمان لتعضدا صفوف الهجوم.
نامعلوم صفحہ