تاریخ مصر من الفتح العثمانی الی قبیل الوقت الحاضر
تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قبيل الوقت الحاضر
اصناف
كل هذه الاعتبارات - إلى ما عسى أن يكون قد نال الفرنسيين المقيمين بمصر من عسف المماليك وظلمهم - جعلت فرنسا تقدم على تجريد تلك الحملة، مع ما فيها من المبادأة بالعدوان لسلطان آل عثمان الذي كان صديقها في ذلك الحين.
نابليون بونابرت.
ورأت الحكومة الفرنسية أن يكون إعداد هذه الحملة بغاية التستر والتكتم كي لا يعلم بمسيرها أحد، وخاصة إنجلترا أشد أعداء فرنسا في ذلك الحين؛ فسهر «نابليون» على إعداد ما يلزم لها من الجند والسفن الحربية والمراكب النقالة؛ فجهز لها نحو 40 ألف مقاتل، عليهم ضباط من نخبة قواد فرنسا، مثل: «كليبر» و«دييزيه» و«مينو» و«مورات»، وأعد لها أسطولا كبيرا جعل على رأسه القائد العظيم «بروي»، وسلحه بالكثير من المدافع والذخيرة، واصطحب معه كذلك من لا يقلون عن مائة رجل من أعظم علماء فرنسا؛ جمعهم من أكبر أساتذة كل علم وفن، وجهزهم بكثير من الكتب والآلات العلمية، مما رأى أن يكون له فائدة في الاستكشاف عن حالة مصر خاصة والشرق عامة. ومن أهم ما عني بإحضاره معهم مطبعة عربية كان للحملة منها فوائد كبرى.
وفي (اليوم الثاني من ذي الحجة سنة 1212ه/19 مايو سنة 1798م) أقلع نابليون بهذه القوة من ميناء طولون، وانضمت إليها بعض المراكب من الجهات الأخرى، وقصد جزيرة مالطة فاستولى عليها بلا عناء، وكانت إذ ذاك في يد «فرسان القديس يوحنا»، وترك أحد قواده حاكما عليها، ثم غادرها.
وكان إعداد هذه الحملة قد تم وعلمه بعض الدول، غير أنه لم يعلم بمقصدها أحد.
وأوجست إنجلترا منها خيفة، وظنت أنها ربما تقصد شواطئ «إرلندا» رجاء الإغارة على الجزائر البريطانية؛ فعهدت البحرية الإنجليزية إلى «نلسن» أمير البحر الإنجليزي العظيم بأن يقتفي أثر هذا الأسطول الفرنسي، وأن يلحق به كل ما أمكنه من الضرر، فتلقى «نلسن» هذه التعليمات، ولكنه لم يبحث عن نابليون غربي البحر الأبيض حيث ينتظر وجوده لو كانت وجهته الحقيقة إرلندا، بل أداه ذكاؤه الفطري أن يقصد «مالطة»، فلما وصلها وجد أن نابليون قد غادرها بجيشه منذ خمسة أيام، وأنه سار شرقا؛ فأدرك أن وجهة نابليون لا بد أن تكون مصر، ورأى أن يتبعه إليها، وبالفعل وصل بأسطوله الإنجليزي إلى الإسكندرية يوم (8 المحرم سنة 1213ه/21 يونيو سنة 1798م)، فلم يعثر للفرنسيين فيها على أثر، فبعث وفدا إلى حاكم المدينة «السيد محمد كريم» - وكان مصري الجنس - يستفسر منه عن قدوم أسطول فرنسي إلى البلاد المصرية، فراع أهل المدينة رؤية الأسطول الإنجليزي، وأوجسوا منه خيفة؛ إذ لم يكن لهم علم بعزم الفرنسيين على غزو بلادهم، وحاروا أيضا في أمر استعلام الإنجليز عن مجيء الأسطول الفرنسي؛ فلم يعرفوا لاهتمامهم هذا علة. وذلك يدلك على الدرجة التي وصلت إليها مصر في تلك الأيام من قصر النظر وقلة الدراية بأخبار العالم والتنافس الحاصل بين ممالكه. فأكد رجال «نلسن» للحاكم أن الأسطول الإنجليزي ما أتى إلى هذه البلاد إلا ليدفع عنها الأسطول الفرنسي، وأن غاية ما يبغيه الإنجليز أن يسمح لهم بانتظار الأسطول الفرنسي خارج الميناء، وأن يشتروا من المدينة بالمال ما يحتاجون إليه من الزاد، فلم يقتنع السيد محمد كريم بحسن نية الإنجليز، وامتنع عن إجابة ملتمسهم، وأجابهم بصراحة - ما كانت لتغني عنه شيئا لو قصد الإنجليز البلاد سوءا - إذ قال: «إن مصر بلاد السلطان، وليس للفرنسيين أو سواهم شيء فيها، فاذهبوا أنتم عنا.»
نلسن.
ولما كان هم نلسن منصرفا إلى مطاردة الأسطول الفرنسي، لم ير داعيا إلى استعمال القوة في الإسكندرية، وأقلع عنها مؤقتا ليتجول قليلا في البحر الأبيض المتوسط ويأخذ من بعض جزائره ما يحتاج إليه من الزاد.
ومضى أسبوع بعد إقلاع العمارة الإنجليزية، ولم يظهر في المياه المصرية أحد من الأعداء؛ فهدأ روع الناس بالإسكندرية والقاهرة، وبينا هم كذلك إذا بالعمارة الفرنسية العظيمة قد لاحت أمام الثغر الإسكندري، فعاد الفزع وزاد عما كان، وبعث حاكم المدينة بالرسل إلى القاهرة على جناح السرعة، يستنجد مراد بك وإبراهيم بك، ويصف لهما حرج الحالة وهول العمارة الفرنسية، وقال عنها إنها: «لا يعرف أولها من آخرها.»
فلما وصل الخبر إلى مراد بك أسرع إلى مقابلة إبراهيم بك بمنزله - مستشفى قصر العيني الآن - فبادر إلى عقد جمعية عمومية من كبراء البلاد ليتداولوا فيما يجب عمله لصد الأعداء، فاجتمعت الجمعية توا من كبار المماليك والعلماء، وحضرها «بكر باشا » والي السلطان بمصر،
نامعلوم صفحہ