124

تاریخ مصر من الفتح العثمانی الی قبیل الوقت الحاضر

تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قبيل الوقت الحاضر

اصناف

ابتدأ محمد علي في إعداد الحملة لذلك في أواخر سنة 1246ه، إلا أنها تأخرت إلى (جمادى الأولى سنة 1247ه/نوفمبر 1831م) لتفشي الهيضة - الكلرا - في مصر وفتكها بالناس فتكا ذريعا.

فسار الجيش البري من الطريق القديم مجتازا الصحراء إلى العرش، وكان عدده يتراوح بين الثلاثين والأربعين ألف مقاتل، وكان مؤلفا من ست فرق من المشاة وأربع من الخيالة وقوة كافية من المدفعية. أما الأسطول فإنه كان يحمل المدافع الضخمة والذخيرة، ويقل إبراهيم باشا وأركان حربه، وبينهم البطل العظيم «سليمان باشا الفرنسي».

زحف الجيش البري في أوائل شهر نوفمبر، فاستولى على غزة ويافا بدون أدنى مقاومة، وفي هذا الميناء اجتمع الجيش بالأسطول، ثم تولى إبراهيم باشا قيادة الجيش وزحف على عكاء، حيث اجتمعت جموع عبد الله الجزار، وكان غرض هذا أن يقهر إبراهيم ويرده على عقبيه كما فعل ذلك من قبل «أحمد باشا الجزار» مع نابليون، ولكن فاته أن أحمد باشا الجزار كان يساعده أسطول السير سدني سمث من جهة البحر. ومع عظم جيش إبراهيم وحسن استعداده قد دافع عبد الله الجزار عن المدينة دفاعا شديدا مدة ستة أشهر حاول في خلالها عثمان باشا والي حلب أن يخلص حامية عكاء، إلا أن إبراهيم باشا داهمه في الطريق، وهزمه هزيمة منكرة. وبعد ذلك سقطت عكاء في يده في (ذي الحجة سنة 1247ه/مايو 1832م)، وأسر عبد الله الجزار ومن معه وأرسلوا إلى الإسكندرية.

وفي أثناء حصار عكاء أصدر الباب العالي أمرا في أول ذي الحجة سنة 1247ه/2 مايو سنة 1832م يقضي بعزل محمد علي عن الديار المصرية وجزيرة إقريطش - كريد - وتولية حسين باشا - مبيد الإنكشارية - عليها، وتسليمه قيادة الجيش الذي سيره على محمد علي، إلا أن ذلك كان على غير رغبة خسرو باشا؛ إذ كان غرضه من عزل محمد علي أن يكون هو خلفه، على أنه قد نظم الجيش على الطريقة الغربية عدة سنوات ليكون هو القائد له في ساحة القتال، وبذل جل طاقته ليحصل على قصده، فلم يصغ له الباب العالي. فلما خابت كل أمانيه عزم على أن يعرقل مساعي حسين باشا ويفسد عليه كل خططه، وساعده على ذلك أنه كان وزيرا للحربية في هذه الآونة. فلما اجتمعت الجيوش في «أذنة» - أطنة - وكان عددهم 45000 أبوا الإذعان لأوامر حسين باشا - بتحريض من خسرو باشا - ونبذوا كل نظام أراده.

وبعد سقوط عكاء سار إبراهيم باشا بجيشه إلى «دمشق» فسلمت إليه بدون مقاومة، وكان ذلك في (16 المحرم سنة 1248ه/15 يونيو سنة 1832م).

ثم زحف على «حمص» حيث التقى بمحمد باشا والي طرابلس يقود نحوا من 30000 مقاتل - وكانوا مقدمة الجيش التركي - وذلك في (9 صفر سنة 1248ه/8 يوليو سنة 1832م)، فلم ينتظر محمد باشا لسوء تدبيره تلاحق الجيش التركي الذي يقوده حسين باشا شمالي هذه النقطة بنحو 50 ميلا، بل هاجم جيش إبراهيم، فهزمه إبراهيم شر هزيمة وأخذ منه كل ما لديه من الذخيرة والميرة وألفي أسير وستة وثلاثين مدفعا؛ وبذلك أصبحت جل بلاد الشام في يد إبراهيم. ولما علمت القبائل المجاورة بانتصارات إبراهيم باشا أرسلت إليه وفود المهنئين، ووعدته بالمساعدة.

أما حسين باشا فإنه كان قاصدا حلب، فلما علم أهل البلدة بهزيمة الجيش العثماني أغلقوا أبوابها في وجهه؛ فاضطر إلى التقهقر إلى إسكندرونة، حيث يرسو الأسطول العثماني. أما إبراهيم باشا فإنه دخل حلب بدون عناء ولا مقاومة في (18 صفر/17 يوليو)، ثم اقتفى أثر الجيش التركي فوجده محتميا في مضيق «بيلان» - بين حلب والإسكندرونة - فهاجمه وشتت شمله، وذلك في (أول ربيع الأول/29 يوليو)، وكانت نتيجة هذه الهزيمة أن غادر الأسطول العثماني الإسكندرونة.

وفي الحال أرسل إبراهيم باشا ابن أخيه عباسا ليحتل بلدة أذنة خلف «جبال طوروس»؛ وبذلك استولى إبراهيم باشا في مدة لا تتجاوز سبعة أشهر على كل بلاد سورية.

وقد عد إبراهيم باشا في الطبقة الأولى من قواد ذلك العصر بما أظهره من الحذق والدراية بالفنون الحربية. ولا يفوتنا أن نعطي سليمان باشا الفرنسي - رئيس أركان حربه - نصيبه من الفخر في هذه الحروب؛ إذ كان في هذه الوقائع سيفه القاطع، وعضده المتين.

سليمان باشا الفرنساوي في حضرة محمد علي باشا وإبراهيم باشا.

نامعلوم صفحہ