تاریخ مصر من الفتح العثمانی الی قبیل الوقت الحاضر
تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قبيل الوقت الحاضر
اصناف
ثم قامت بأوروبا نهضة جديدة لإخراج العثمانيين من هذه القارة؛ فخرج لذلك جيش جرار، جمعت كتائبه من ممالك أوروبية عديدة، يقوده «هونياد» القائد المجري العظيم، الذي لم ير الترك قبل ذلك أحدا من المسيحيين في بأسه وبطشه؛ فاكتسح الجيش كل شيء أمامه حتى اجتاز البلقان، فاضطر السلطان مراد إلى عقد مهادنة مع المسيحيين لمدة عشر سنوات، على أن يتنازل عن الصرب ويعطي «بلاد الأفلاق» للمجر - معاهدة إزجدن سنة 848ه/1444م.
هونياد المجري (عدو الترك العنيد).
ثم رأى مراد أن يستريح من عناء الملك، فتنازل عن العرش لابنه «محمد الثاني» - وكان حديث السن - وأقام بآسيا يطلب الراحة، فلما رأى المسيحيون ذلك طمعوا في الدولة، فنقضوا عهدهم، وزحفت جيوشهم بقيادة «هونياد» على الأراضي العثمانية، واستولت على كثير من حصون بلغاريا، فلما علم مراد بذلك رجع إلى الملك وسار بجيش إليهم، وكانوا قد استولوا على «ورنة»، فالتقى بهم خارج المدينة في معركة فاصلة، انتهت بانهزام المسيحيين هزيمة شنيعة، وقتل فيها بعض ملوكهم وأمرائهم (سنة 848ه/نوفمبر سنة 1444م)، وكان العثمانيون أثناء الموقعة يحملون في جملة أعلامهم لواء معلقة عليه صورة من المعاهدة، تذكرة للأعداء بغدرهم ونقضهم للعهود والمواثيق، ثم أتم مراد إخضاع البوسنة والصرب، ومات عام (855ه/1451م)؛ فترك لابنه محمد الثاني ملكا واسعا ثابت الأركان.
تولى «محمد الثاني» الشهير بمحمد الفاتح (855-886ه/1451-1481م) وهو في الحادية والعشرين من عمره، فبادر بالتأهب لفتح القسطنطينية، وأعد لذلك المعدات العظيمة، وفي سنة (857ه/1453م) تم له فتحها بعد أن أعيا كثيرا من ملوك المسلمين قبله؛ فقضى بذلك على دولة الروم الشرقية القضاء الأخير، ويعد فتح القسطنطينية من أهم الحوادث التاريخية، كما يعتبر عام فتحها (857ه/1453م) مبدأ التاريخ الحديث. (2) اضمحلال الدولة البوزنطية
4
وسقوط القسطنطينية في يد العثمانيين
ذكرنا في كتاب «تاريخ مصر إلى الفتح العثماني» أن قسطنطين الأكبر نقل عاصمة الدولة الرومانية إلى مدينة «بوزنطة» على شواطئ البوسفور سنة 330م، وأنها سميت من ذلك الحين بالقسطنطينية منسوبة إليه، وفي سنة 395م تم تقسيم الدولة إلى قسمين: الدولة الغربية، وعاصمتها رومية، والدولة الشرقية، وعاصمتها القسطنطينية.
فلم تعمر الدولة الغربية طويلا لكثرة غارات الأمم المتبربرة عليها؛ إذ استولى عليها القوط سنة 476م.
أما الدولة الشرقية فلبثت نحو 1000 سنة تمكنت فيها - بفضل مناعة موقعها - من رد غارات الأمم المتبربرة الأوروبية من القوط والسلاف وغيرهم، كما صدت غارات الفرس والعرب عن حاضرتها نفسها، وعن معظم أوروبا، ولكنها لم تستطع الدفاع عن أكثر أملاكها خارج أوروبا؛ فقد رأينا كيف نزع العرب من يدها شرقي آسيا الصغرى وسورية وفلسطين ومصر وبرقة وإفريقية وجزائر البحر الأبيض الشرقية.
أنهكت كل هذه المكافحات قوى الدولة وفتت في عضدها، إلى أن دخلت عليها عوامل فناء أخرى شديدة كان فيها القضاء على البقية الباقية منها. وهذه العوامل الجديدة ترجع إلى ثلاثة حوادث عظيمة، وهي: (1)
نامعلوم صفحہ