تاريخ مصر الحديث
تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم
اصناف
وفي أواخر هذه السنة قدم الصليبيون بموافقة صاحب قبرس؛ لغزو دمياط بحرا، فاتفق الأمراء في القاهرة على إنشاء جسر يمتد من القاهرة إلى دمياط خوفا من قدوم الصليبيين بحرا في أيام الفيضان، فيتعذر الوصول إلى دمياط، فكتبوا بذلك إلى العمال أن يخرجوا بالرجال والأبقار؛ لإتمام ذلك، فاجتمع ستمائة رأس بقر و30 ألف رجل، وباشروا العمل، وأتموه في شهر واحد. فكان طوله من دمياط إلى قليوب، وعرضه أربع قصبات من أعلاه، وست قصبات من أسفله تمشي عليه ستة رءوس من الخيل صفا واحدا، ومن آثاره في القاهرة جامعه المعروف بجامع جاشنكير في الجمالية مبني على مثال جامع السلطان حسن، ولا يزال مسجدا إلى هذه الغاية.
ثم ندم الملك الناصر لاستقالته، وتخليه عن مقاليد الأعمال لأحد مماليكه، فجعل يترقب فرصة لتسلق العرش ثالثة، وفي شهر شعبان من سنة 709ه برح الكرك مستخلفا عليها أرغون أحد مماليكه المقربين، وجاء دمشق فبايعه أمرؤاها فجند إلى مصر ومعه رجال عديدون، وكان الأمير برلك أحد زعماء المماليك قد نبذ طاعة بيبرس ومعه كثيرون من نخبة رجاله فتشجع الناصر وقدم القاهرة. أما بيبرس فخاف ولم ير سبيلا لنجاته إلا بالتنازل فاستقال، وأخذ معه مبلغا مقداره 300 ألف دينار، وكثيرا من الجمال والخيل، وخرج إلى مصر العليا طامعا في الاستيلاء عليها فلاقاه خارج القاهرة سرب من الأسافل أوسعوه شتما ورجما فرشقهم بما كان معه من النقود، وسار حتى جاء أخميم فنزل فيها. (16) سلطنة الملك الناصر بن قلاون (ثالثة) (من سنة 709-741ه/1309-1341م)
وفي غد خروج بيبرس من القاهرة دخلها الملك الناصر باحتفال عظيم، وهي المرة الثالثة لتوليه ، وكان ذلك في يوم عيد رمضان فزاد العيد بهجة، وبويع بالسلطة، ولبس خلعة السلطنة، وهي جبة سوداء وعمامة سوداء بعذبة زركش وسيف بداوي. فجلس على سرير الملك، وجميع الأمراء من كبير وصغير قبلوا الأرض بين يديه وهو جالس في الإيوان الأشرفي. ثم خلع على سائر الأمراء والنواب الذين حضروا معه خلع الاستمرار، وخلع على الخليفة المستكفي بالله سليمان، والقضاة الأربع وأرباب الدولة من أصحاب الوظائف، ثم تتبع الهاربين وقبض عليهم، وجردهم مما أخذوه.
وفي جملة الذين قتلهم الأمير سلار النائب، وضبط أمواله سنة 710ه فكان في جملتها صناديق إفرنجية مصفحة بنحاس فيها فصوص ياقوت أحمر بهرمان رطلان، وفصوص بلخش رطلان ونصف، وفصوص زمرد بابي عشرون رطلا، وفصوص الماس، وعين الهر ثلثمائة قطعة، ولؤلؤ كبير مدور كل حبة وزن مثقال مائة وخمسون حبة، ووجد عنده صناديق فيها ذهب عين مائتا ألف دينار، ومن الفضة أربعمائة ألف درهم وواحد وسبعون ألف درهم.
وفي يوم الاثنين سابع عشر وجد له من الذهب العين خمسة وخمسون ألف دينار ومن الفضة مليون درهم، ومن الفصوص المختلفة رطلان، ووجد له مصاغ من ذهب ما بين خلاخل وأساور وزن أربعة قناطير مصرية، ووجد عنده طاسات فضة وأطباق وأهوان ذهب وطشوت فضة ستة قناطير.
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشر وجد له من الذهب العين خمسة وأربعون ألف دينار، ومن الفضة ثلثمائة ألف وثلاثون ألف درهم، ووجد عنده طلعات فضة للصناجق، وقطريات فضة ثلاثة قناطير ... وغير ذلك شيء كثير ذكره ابن إياس في تاريخه مفصلا مما يدهش لكثرته.
وكان سن الملك الناصر لما تولى للمرة الثالثة 25 سنة صرف 16 منها في مقاساة الأهوال حتى عرف كيف تؤكل الكتف، وكيف يجب أن ترسخ قدمه في الملك، فكان ذلك بمثابة الأمثولة له، فمكث على دست السلطنة هذه المرة حتى توفي أي مدة 33 سنة.
وكان النصارى إلى أيام هذا الملك يقيمون احتفالا سنويا في 8 بشنس في ناحية شبرا من ضواحي القاهرة، يسمونه: احتفال عيد الشهيد، زعما منهم أن النيل لا يفي إلا إذا ألقوا فيه تابوتا من خشب فيه أصبع من أصابع آبائهم المائتين. فكانوا يجتمعون من سائر القرى أفواجا على اختلاف الدرجات والنزعات، ويكثرون بسبب ذلك من الغناء وشرب المسكر. فكانوا ينفقون مبالغ فاحشة في هذا السبيل، وكان فلاحو شبرا يركنون في وفاء الخراج على ما يبيعونه من الخمر في ذلك العيد. فأمر الملك الناصر بإبطال هذه العادة.
وأبطل كثيرا من الضرائب الظالمة كزكاة الدولة، وهو ما كان يؤخذ من الرجل عن زكاة ماله أبدا ولو عدم منه، وإذا مات يؤخذ من ورثته، وأبطل ما كان يجبى من أهل القاهرة وضواحيها إذا حضر مبشر بفتح حصن أو نحوه فإنهم كانوا يأخذون من الناس كل واحد على قدر طاقته، وكان يجتمع من ذلك مال كثير، وأبطل ما كان يجبى من أهل الذمة، وهو دينار سوى الجالية برسم نفقة الأجناد في كل سنة، وكانت العادة إذا كان وفاء النيل أن يجبوا من التجار والباعة دينارا من كل واحد قياما باحتفال كانوا يقيمونه عند المقياس يكثرون فيه من الشوي والحلوى والفاكهة فأبطل الجباية، وأمر بصرف ذلك من بيت المال. (16-1) أعماله
أما أعماله فأكثرها بناء وترميم: فقد بنى في سنة 717ه جسرا بين بولاق وميت شيرج؛ لحجز مياه النيل عند الفيضان ، وكانت الأرض واطية، ولم يكن فيها شيء من البناء، فإذا ارتفع النيل جرى على مسافة قصيرة من المقس (ثمن الأزبكية) فلما بنى الجسر كف الماء إلا يسيرا، فتكون هناك جزيرة دعوها جزيرة بولاق فأقيمت فيها المساكن، ثم اتصلت بالبر الحقيقي فأصبحت جزءا منه، فاتخذوها مرسى للسفن الواردة إلى مصر، ولا تزال كذلك إلى اليوم، وهذا ما يعبر عنه الآن بثمن بولاق.
نامعلوم صفحہ