تاريخ مصر الحديث
تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم
اصناف
فاعتزل أيبك السلطنة، وبايع مظفر الدين بن يوسف أتسز ملك اليمن وعمره نحو عشرين سنة فبايعه في 5 جمادى الأولى، وبايعه الناس ولقبوه بالملك الأشرف، وتعين عز الدين أتابكا له، غير أن أزمة الأحكام ما برحت في يده، ولم يكن الأشرف إلا اسما بلا رسم، ومن الغريب تألف هذه السلطة المزدوجة من أحد سلالة الأسرة الأيوبية وأحد مماليكها، وأغرب من ذلك أن يخطب لهما معا.
وفي خلال ذلك نهض سلطان دمشق الجديد ناصر الدين يوسف الأيوبي للأخذ بثار الملك المعظم فدعا إليه أقرباءه أمراء الأسرة الأيوبية للتعاضد على ذلك، وتأكيدا لنجاح مسعاه استمد لويس التاسع ملك فرنسا، وكان إذ ذاك في عكا على أن يعيد له في مقابلة ذلك بيت المقدس. فأرسل ملك فرنسا إلى ناصر الدين راهبا لعقد المعاهدة، وأنفذ إلى المماليك في مصر مندوبا يطلب إليهم التعويض عن نكث المعاهدة التي عقدوها مع الصليبيين، وكان من مصلحتهم الاتفاق مع الصليبيين على سلطان دمشق فأجابوا مطاليبه، وأطلقوا عددا كبيرا من الأسرى المسيحيين بعثوا بهم إلى عكا، وأرفقوهم بمندوبين لتجديد المعاهدة. فاقترح لويس التاسع أن يضاف إليها البنود الثلاثة الأتي ذكرها، وهي:
أولا:
إرجاع رءوس الصليبيين التي كانت مغروسة على متاريس القاهرة.
ثانيا:
إرجاع جميع الأولاد الذين كانوا قد أجبروا على الإسلام.
ثالثا:
التنازل عن المائتي ألف دينار التي تعهد الصليبيون بدفعها بمقتضى معاهدة المنصورة.
فرضي المماليك بجميع ذلك، وأهدوه فوقها فيلا جميلا، وكان هذا أول فيل أرسل إلى فرنسا، ووعدوه أن يعيدوا إليه بيت المقدس إذا تغلبوا على سلطان دمشق. فاتصل أمر تلك المخابرات بسلطان دمشق فأنفذ عشرين ألف مقاتل تحول دون اتحاد الجيشين، فعثروا بالمصريين في غزة فناهضوهم حتى أرجعوهم إلى الصالحية فأنجدهم الفارس أقطاي فأعادوا السوريين على أعقابهم إلى سوريا. ثم تشدد السوريون، وعادوا بمدد كبير تحت قيادة شمس الدين لولو صاحب دمشق، ومعهم سلطان دمشق نفسه، فالتقوا بالمماليك تحت قيادة أيبك والفارس أقطاي يوم الخميس 10 ذي القعدة سنة 649ه في العباسة، وتقاتلا فانكسر المصريون أولا فتعقبهم السوريون فجعل أيبك والفارس أقطاي انهزامهما نحو سوريا، ومعهما جماعة من الفرسان فالتقيا بشمس الدين لولو في شرذمة من رجاله فقتلاه، وشتتا رجاله فاشتد أزرهما فعادا لمهاجمة سلطان دمشق، وكان في معسكره مع شرذمة قليلة من الجند. أما باقي الجيش فكانوا يتعقبون الجيوش المصرية المنهزمة، فاضطر السلطان إلى الفرار بنفسه فتبعاه فلم يدركاه، فعادا إلى مصر فرأيا الجيوش السورية قد دخلت القاهرة، وخاف أهلها ظنا منهم أن النصر لناصر الدين فبايعوه وخطبوا له. إلا أن الفقهاء لم يوافقوا على المبايعة شخصيا على أنهم لم ينجوا من انتقام أيبك. فلما علم المصريون أن النصر لهم فرحوا جدا، وأبطلوا مبايعة ناصر الدين. أما هذا فلما رأى أمر انكساره على ما تقدم لم يعد يمكنه استئناف الحرب، فصالح المصريين على أن يتخلى لهم عن مصر وغزة وبيت المقدس، وقد ربح من الجهة الثانية ما كان يرومه من فساد المعاهدة بين المصريين والصليبيين، فاتفق مع المماليك على محاربة الصليبيين. (3-1) خراب دمياط
ثم اتفق المماليك البحرية على تخريب مدينة دمياط خوفا من مسير الإفرنج إليها مرة أخرى، فسيروا إليها الحجارين والفعلة فوقع الهدم في أسوارها يوم الاثنين شعبان سنة 648ه ومحيت آثارها، ولم يبق منها سوى الجامع ويعرف بجامع الفتح، وأخصاص ابتناها بعض الفقراء للسكن في قبليها، ودعوا ذلك المكان المنشية. أما دمياط الباقية إلى هذا العهد فابتنيت على أنقاض تلك فبلغت جمالا فائقا، وقد ساعدها على ذلك حسن مركزها الطبيعي، وأهميته للتجارة، وقد بالغ المقريزي في وصفها؛ لأنها كانت في أيامه أزهى وأعمر مما هي الآن فنظم في مدحها قصيدة اقتطفنا منها هذه الأبيات:
نامعلوم صفحہ