تاريخ مصر الحديث
تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم
اصناف
وفي سنة 278ه توفي الموفق، وبايع قواده بولاية العهد لابنه المعتضد بعد المفوض ابن أخيه، وفي أول سنة 279ه خلع المعتمد ولاية العهد عن ابنه المفوض، وجعلها للمعتضد، وفي تلك السنة توفي الخليفة المعتمد على الله بعد أن حكم 43 سنة، فبويع ابن أخيه المعتضد بالله، فاغتنم خمارويه الفرصة؛ لتوطيد العلائق بينه وبين الخليفة الجديد، فأنفذ الحسين بن عبد الله المعروف بابن القصار وفدا إلى بغداد ومعه الهدايا الثمينة يعلن الخليفة أن مصر ستؤدي الخراج، وقدره مائتا ألف دينار، وأنها ستدفع أيضا عن السنين الماضية 300 ألف دينار. فأجابه الخليفة بتثبيته في إمارته لمدة 30 سنة على ما كان تحت إمارة أبيه، وأرسل إليه أيضا الخلعة والسيف المختصين بهذا المنصب، فدفع خمارويه الدفعة الأولى تماما لكنه تأخر بعد ذلك رويدا رويدا على أنه لم يكن يغفل عن توطيد علائق المودة بينه وبين الخليفة، فأرسل إليه وفدا يعرض عليه زفاف ابنته قطر الندى لابن المعتضد، فقبل الخليفة بأن يكون الزفاف له، وحصل ذلك على أعجب سبيل؛ فحملت قطر الندى إلى المعتضد، وذهبت معها عمتها العباسة بنت أحمد بن طولون مشيعة لها إلى آخر أعمال مصر من جهة الشام، ونزلت هناك، وضربت فساطيطها، وبنيت هناك قرية فسميت باسمها، وقيل لها: العباسة.
ولما استقر له السلام على هذه الصورة مع الخليفة جعل يوسع سلطانه فأمر طغج بن جف أمير دمشق أن يتقدم بفرقة من عساكر طرسوس إلى بلاد الروم. ففعل وحارب الروم، واستولى على عدة مدن، وعاد بالغنائم.
وفي سنة 282ه التي كانت زاهية بزفاف قطر الندى سودت بموت خمارويه مقتولا في دمشق، وذلك أنه نمى إليه أن بين بعض نسائه وبعض كبراء خدامه علائق حبية سرية، فشق ذلك عليه فأخذ في تحقيق الأمر، وتأكيد الجرم على فاعله، ومقاصته بما يقتضيه العدل، فخشي هؤلاء من العقاب الشديد فاتفقوا مع نسائه على قتله؛ لينجوا كلهم من شره، فقتلوه على فراشه في ليلة من ليالي ذي الحجة من سنة 282ه وقال آخرون في كيفية قتله غير ذلك.
وبعد موته ألقي القبض على عشرين من الخدم الذين وقعت عليهم الشبهة، بعد التحقيق تأكدت الجريمة على العشرين، فحكم عليهم بالإعدام، فنقلت جثة خمارويه إلى مصر، ودفنت بسفح المقطم بقرب جثة أبيه أحمد، وكانت مدة حكمه 12 سنة و18 يوما، وكان من أحسن الناس حظا، وحال موته بويع ابنه جيش الملقب بأبي العساكر، وهو صغير لم يبلغ رشده. (2-3) جيش بن خمارويه (من سنة 282-283ه/895-896م)
وفي سنة 283ه أبى طغج بن جف حاكم الشام مبايعة جيش على بلاده، وبعد يسير ثارت الجيوش في مصر بدعوى أنهم لا يقبلون موضع أحمد بن طولون صبيا لم يبلغ رشده، ولا يعرف شيئا من أمور الأحكام، وكان إذا أبدل رجلا بآخر، قالوا: قد اختار من هو في سنه أو على شاكلته، وبعد تسعة أشهر من حكمه ثار عليه الجميع، وقتلوه، ونهبوا قصره، وأحرقوا المدينة. (3) هارون بن خمارويه (من سنة 283-292ه/896-904م)
وأقام زعماء الثورة أخاه هارون مكانه، وقيل: إن المعتضد ثبته على مصر؛ لأنه وعده بمال يحمله إليه مقداره مليون من الدنانير، وفي السنة المذكورة توفي لؤلؤ، وهو الذي كان يسعى بين أحمد بن طولون والموفق سعيا آل إلى حرب بين الفريقين، وكان لؤلؤ قد ضم جيشه إلى جيش الموفق في محاربة الزنج إلا أنه لم يأته ذلك الضم بفائدة تذكر، ولما وصل أحمد بن طولون إلى الشام لم يستطع القبض على لؤلؤ نفسه فقبض على ما كان له في دمشق من الأهل، وفيهن نساؤه وأولاده وسواريه، وباعهم في سوق الفسطاط. فلما بلغ ذلك لؤلؤا أخذ منه الغيظ كل مأخذ، فتوجه إلى الموفق وطلب إليه أن يعطيه جندا؛ ليغذو به مصر، ويمتلكها، وينتقم من ابن طولون، وكان الموفق قد عقد صلحا مع ابن طولون - كما تقدم - ولم يشأ أن يجيب لؤلؤا سلبا، فوعده بنيل مرغوبه، وكرر الوعد مرارا، وإنما فعل الموفق ذلك على نية أن يستبقيه عنده لعله يحتاج إلى مصالحة ابن طولون فيرسل إليه هدية، ولما توفي ابن طولون بقي لؤلؤ في خدمة الموفق 3 سنوات، وأخيرا جرده من أمواله، وطرده من خدمته فأتى مصر حيث بيعت نساؤه وأولاده، وبقي فيها إلى أن مات شر موتة.
وفي سنة 284ه أي بعد تنصيب هارون بسنة أخذ الأهلون ورجال الحكومة يقللون من الطاعة له، ويحتقرون أوامره شيئا فشيئا حتى صاروا في استعداد كلي لنبذ الطاعة، والمجاهرة بالعصيان، ورئيس هذه الثورة طغج بن جف صاحب الشام، وفي سنة 285ه علم المعتضد بما كان من تقسيم بلاد هارون، وكره الرعايا له فرأى أن يغتنم الفرصة لاسترجاع تلك البلاد لسلطانه كما كانت في عهد أسلافه. فتقدم نحو آمد فبايعه حاكمها محمد بن أحمد بن عيسى بن شيخ وكان مستقلا بها، ثم تقدم إلى قنسرين وتملكها.
فلما بلغ ذلك هارون أوجس خيفة، ولم يعد يعلم ماذا يفعل، وله من رعاياه أعداء ألداء؟ فكاتب المعتضد أنه مستعد لتسليمه البلاد التي هي قريبة من العصيان عليه، وكتب أيضا إلى حكام قنسرين والعواصم جميعها أن يذعنوا لسلطة الخليفة المعتضد، فقبل المعتضد تلك العطية بكل سرور فوضع يده على تلك الأماكن فبايعه أهلها. (4) القرامطة
وفي سنة 289ه زادت القلاقل التي كانت تهدد هارون بانتشار القرامطة في سوريا، ومنشأ هذه الطائفة بالبحرين سنة 281ه ويقال في كيفية ظهورها: أن رجلا يعرف بيحيى بن المهدي قصد قطيف فنزل على رجل يعرف بعلي بن المعلى بن حمدان مولى الزياديين، وكان يغالي في التشيع. فأظهر له يحيى أنه رسول المهدي، وأنه خرج إلى شيعته في البلاد يدعوهم إلى أمره، وأن ظهوره قد قرب. فوجه علي بن المعلى إلى الشيعة من أهل القطيف فجمعهم وأقرأهم الكتاب الذي مع يحيى بن المهدي إليهم من المهدي. فأجابوه أنهم خارجون معه إذا ظهر أمره، ووجه إلى سائر قرى البحرين بمثل ذلك فأجابوه، وكان فيمن أجابه سعيد الجنابي، وكان يبيع للناس الطعام ويحسب لهم بيعهم. ثم غاب عنهم يحيى بن المهدي مدة، ثم رجع ومعه كتاب يزعم أنه من المهدي إلى شيعته، ونصه: «قد عرفني رسولي ابن المهدي مسارعتكم إلى أمري فليدفع إليه كل رجل منكم ستة دنانير وثلثين.» ففعلوا ذلك، ثم غاب عنهم، وعاد ومعه كتاب مفاده ادفعوا إلى يحيى خمس أموالكم فدفعوا إليه الخمس، وكان يحيى يتردد في قبائل قيس، ويورد لهم كتبا ويزعم أنها من المهدي، وأنه ظاهر فيكونون على أهبة، وصار أمر هؤلاء ينتشر، وعددهم يتعاظم حتى طمعوا بالغزو فبلغوا الشام، واستفحل أمرهم حتى حاربوا طغج صاحب دمشق، وحاصروها سنة 290ه فاجتمع إليها جميع قوات الشام، وهاجموا القرامطة وشتتوهم بعد أن قتلوا شيخهم يحيى.
وفي سنة 292ه كان على دست الخلافة العباسية الخليفة المستكفي بالله بن المعتضد، فأحب أن ينفذ ما كان نواه سلفه في سوريا ومصر فأنفذ جيشا إلى الشام تحت قيادة محمد بن سليمان فتملكها حالا، وكانت له مباء، ثم هجم على مصر فاخترقها حتى بلغ عاصمتها (الفسطاط) فاستعد هارون للمدافعة، ورجاله ينقصون يوما فيوما؛ لما كان يسير منهم إلى صفوف الأعداء بعد كل وقعة، ولم يكن ذلك منتهى الشقاء؛ فإن معسكر هارون نفسه كان مرسحا تتلاعب فيه الدسائس، وينمو فيه الخصام بين رجاله، واشتد القتال بينهم يوما فركب هارون جواده، وأخذ في ردهم بعضهم عن بعض؛ فأصيب بطعنة من أحد المغاربة فسقط ميتا في 18 صفر سنة 292ه وكانت مدة حكم هارون 9 سنوات كلها تعاسة وشقاء، ويقال: إن عمه شيبان هو الذي قتله. (5) شيبان بن أحمد (من سنة 292-292ه/904-904م) وانقضاء الدولة الطولونية
نامعلوم صفحہ