قرآن كريم.
الفصل الثاني عشر
السحر والشعوذة
(1) السحر
لما كان السحر من أقدم ما عرفه الإنسان البدائي، إنسان ما قبل التاريخ، فقد رأينا أن نعقد له هذا الفصل. هذا والسحر يطلق عامة على قوة الإتيان بالعجائب وممارستها باستخدام عوامل فوق الطبيعة مفروض وجودها عند من يمارسون السحر. وتدور حول السحر نظريات، منها نوعان: النظرية الشخصية، والنظرية الموضوعية. فأما الشخصية فهي المراسم التي يضعها ممارسو السحر له بما يتفق معه، ومن هنا كانت المراسم التي لا تنصبغ بصبغة دينية، تعد سحرا. أما النظرية الموضوعية فتعد السحر مستقلا عن الدين؛ ولهذا كان للسحر خواصه وأصله النفساني، وكان طريقا إلى علم همجي يعتمد على قوانين تخيلية مفروض أنها تعمل على منع سير النظام المستند إلى قوانين الطبيعة .
وعند «إ. ب. تايلور» أن مميزات السحر هو عدم صحتها؛ إذ إنها خليط مشوش من المعتقدات والممارسات التي يؤلف اتحادها كل ما ليس له في الطبيعة سبب ونتيجة. ومن أنواع السحر، العنصر الروحي وهو ينتظم الكائنات الروحية وأشباح الموتى والشياطين والآلات. أما العنصر غير الروحي فإنه يعتمد على القوى المتصورة واتصالاتها في الطبيعة؛ أي إنها منطق غير تام فهي اتخاذ فكرة غير صحيحة على أنها صحيحة. ومن أمثلتها أن الهندي الأمريكي، إذا ما رسم صورة غزال وصوب إليه سهما أو طلقا، توقع أن يقتل غزالا حقيقيا في اليوم التالي.
ومن قبيل هذا سحر المحاكاة، وهو أن يعمل الساحر عملا يشبه العمل المقصود فإذا أراد استنزال المطر ملأ إناء من الماء ووقف على ربوة وصبه معتقدا أن السماء ستفعل فعله. وإذا أراد أن يقتل خصما له، رسم صورته على ورق أو مثلها في طين ثم يتلفها معتقدا أن ما يحدث للصورة أو التمثال يحدث للشخص نفسه.
أما سحر العدوى فهو أن يأخذ الساحر أو يعهد إلى أحد أن يحضر له شيئا من لباس الشخص المطلوب أذاه فيتلف هذا الشيء فتنتقل عدوى التلف من هذا الشيء إلى الشخص نفسه. وكان المصريون يؤمنون بسحر المحاكاة، فقد وجدت بعثة ألمانية، 290 شقفة من الفخار عليها أسماء أعداء مصر في الخارج والداخل ممن كانوا يحاربون الحكومة أو يخرجون عليها. وعند البعثة أن المقصود من كتابة هذه الأسماء على الفخار هو كسر الفخار وتحطيمه؛ حتى يحدث للأعداء ما يحدث للفخار؛ وهو أن ينهزموا وينكسروا. أما سحر العدوى فإن العامة تمارسه للآن في مصر في الرقية، فإنهم إذا رقوا أحدا من مرض يعتقدون أن العين هي أصله، يأخذون «أثرا» من لباس صاحب العين، ويحرقونه ويرقون به المصاب فيشفى على زعمهم.
وعند «الأثري المصري محرم كمال، أمين المتحف المصري» أن «ما ندعوه الآن بالسحر قد ورثناه عن المصريين القدماء. فقد اشتهرت مصر في قديم الزمان بالسحر، وإلى الآن لا تعدم قرية من قرانا ساحرا تضفي عليه خيراتها وتضع فيه ثقتها، ويستمتع فيها بالنفوذ والثقة اللذين كان ينعم بهما سحرة العصور القديمة».
كان المصري القديم يلجأ إلى الساحر إذا أراد التخلص من عدوه، وتخبرنا النصوص بأن الساحر كان يعذب هذا الشخص بما يطلقه عليه من أحلام مزعجة وأشباح مرعبة وأصوات مستغربة، بل إن الساحر كان يسلط عليه الأمراض فتنهك قواه وتهد بدنه. وكان الساحر قادرا على أن يجعل النساء يتركن أزواجهن ويتعلقن بأذيال من يريده هو من رجال وإن كانوا موضع كرههن من قبل. وكان الساحر يطلب في مثل هذه الأحوال؛ لكي ينجح عمله أن يؤتى له بقليل من دم الشخص المطلوب أو قلامة من أظافره، أو خصلة من شعره أو قطعة قماش من ثياب يكون قد لبسها؛ فإذا حصل على ما طلب، صنع تمثالا من الشمع بشكل الشخص المطلوب (العمل له)، ووضع في التمثال أو استعمل في صنعه الأشياء التي أخذها، فإذا تم له ذلك ألبس التمثال ملابس كالتي يرتديها الشخص نفسه حتى يشبهه تمام المشابهة، ثم يجري عليه طائفة من الأعمال السحرية، فكان إذ دق مسمارا في التمثال أصيب الشخص بمرض، وإذا قرب التمثال من النار أصابت الشخص حمى خبيثة، وإذا طعن التمثال بسكين قتل الشخص أو جرح. ويظل الساحر يزاول أعماله حتى يقضي على الشخص الذي يريده! وقد ورد في النصوص أن هذا النوع من السحر قد استعمل ضد الملك رمسيس الثالث، ولكنه اكتشف الأمر وقبض على هؤلاء السحرة، وصادر ما وجده لديهم من تماثيل الشمع التي صنعت بشكله، كما أوردته ورقة «هاريس» البردية السحرية وورقة «تورين» البردية القضائية. أفليس هذا النوع من السحر، وعمل التماثيل من الشمع أو الطين، ووخزها بالإبر والدبابيس هو الذي يستعمله الدجالون في القرى والأقاليم الآن؟
نامعلوم صفحہ