ي دخلت سنة ست وسبمعين وفيها خرج صالح بن مسرح بأرض الموصل والجزيرة: كان صالح بن مسرح التميمى رجلا ناسكا، مصفر الوجه صاحب عبادة، وكان بدارا وأرض الموصل والجزيرة، وله أصحاب يقرأ بهم القرآن والفقه ريقص عليهم، فدعاهم إلى الخروج وإنكار الظلم وجهاد المخالفين لهم، فأجابوه وحثهم عليهم، فراسل أصحابه بذلك وتلاقوا به ، فبينا هم فى ذلك إذ قدم عليه كتاب شبيب يقول له : إنك كنت تريد الخروج، فإن كان ذلك من شانك اليوم فأنت شيخ المسلمين ، ولن نعدل بك أحدا، وان أردت تأخير ذلك اليوم أعلمنى؛ فإن الآجال غادية ورائحة، ولا آمن أن تخترمنى المنية ولم أجاهد الظالمين، فكتب إليه صالح: إنه لم يمنعنى من الخروج إلا انتظارك، فأقبل إلينا، فإنك ممن لا يستغنى عن رأيه، ولا تقضى دونه الأمور، فلما قرأ شبيب كتابه، دعا تفرا من أصحابه منهم أخوه مصاد بن يزيد بن نعيم الشيبانى، والمحلل بن وائل اليشكرى وغيرهما، وخرج بهم حتى قدم على صالح بدارا، فلما لقيه قال : اخرج بنا رحمك الله؛ فوالله ما تزداد السنة إلا دروسا، ولا يزداد المجرمون إلا طغيانا؛ فبث صالح رسله وواعد أصحابه الخروج إلى ذلك هلال صفر ليلة الأربعاء سنة ست وسبعين ، فاجتمعوا عنده تلك لليلة، فساله بعضهم عن القتال قبل الدعاء أم بعده ؟ فقال : بل ندعوهم؛ فإنه أقطع لحجتهم، فقال له : كيف ترى فيمن قاتلنا فظفرتا به، ما تقول فى دمائهم وأموالهم؟ فقال لهم: إن قتلنا وغنمنا فلنا، وإن عفونا فموسع علينا.
~~ثم وعظ أصحابه، وأمرهم بأمره وقال لهم : إن أكثركم رجالة، وهذه دواب لمحمد بن مروان، فابدءوا بها، فاحملوا عليها رجالكم، وتقووا بها على عدوكم، فخرجوا تلك الليلة، فأخذوا الدواب فاحتملوا عليها، وأقامرا بأرض دارا ثلاث عشرة ليلة، وتحصن منهم أهلها وأهل نصيبين وسنجار، وكان خروجه وهو فى مائة وعشرين، وقيل : وعشرة، وبلغ محمدا مخرجهم وهو أمير الجزيرة، فأرسل عدى بن عدى الكندى إليهم فى ألف قارس، فسار من حران فنزل دوغان، وكانوا أول جيش سار إلى صالح.
~~وسار عدى وكأنه يساق إلى الموت، وأرسل إلى صالح يساله أن يخرج من هذه البلاد، ويعلمه أنه يكره قتاله، وكان عدى ناسكا، فأعاد صالح : إن كنت ترى رأينا خرجنا عنك، وإلا فنرى رأينا، فأرسل إليه عدى: إنى لا أرى رأيك، ولكنى أكره قتالك وقتال غيرك، فقال صالح لاصحابه : اركبوا، فركبوا وحبس الرسول عنده، ومضى بأصحابه، فأتى عديا وهو يصلى الضحى، فلم يشعروا إلا والخيل طالعة عليهم، فلما رأوها تنادوا، ----
صفحہ 133