تاریخ مسرح
تاريخ المسرح في العالم العربي: القرن التاسع عشر
اصناف
129
إلا أن الناقدة باعتمادها على هذا المرجع تكون قد أقرت بصحة ما فيه! بل إنها أكدت هذه المعلومة بحوار من مسرحية «موليير مصر وما يقاسيه» لصنوع المطبوعة عام 1912! والحقيقة أن يعقوب صنوع لم يقم في يوم من الأيام بلصق أي إعلان لأية مسرحية من مسرحياته. وأكبر دليل على ذلك أن مجلة «وادي النيل» أسهبت في حديثها عن أول إعلان مسرحي تم لصقه بالفعل على جدران شوارع القاهرة في أكتوبر 1870، قائلة: «شاهد كل إنسان في هذه الأيام الحاضرة بشوارع مدينة القاهرة معلقا على الحيطان والجدران صورة إعلان يتميز للعيان بغرابة شكله ويستوقف المارة ببداعة طبعه وشغله ... وذلك أنه مطبوع على فرخ من الكاغد طويل عريض وشكل من حروف الطبع غريب مستقبض يتضمن أنه بأمر الحضرة الخديوية العلية سيفتح اللعب في تياترو الأوبرا الكائن بالأزبكية في يوم الأحد الآتي ... بتصوير اللعبة المشهورة ... باسم «لافاووريته» أي «المحظية» وهي عبارة عن قطعة تياترية من نوع القطع المسماة باسم «درام» منقسمة إلى أربعة فصول يتخللها ألحان موسيقية مع بعض تخليعات أخرى مسلية ورقص وعزف من بعض القيان وغير ذلك من الفنون التي تسلي قلب كل محزون ... وقد أدرجنا هنا مضمون هذا الإعلان مع بعض تفصيل وبيان ليعرف منه كل أحد حقيقة المقصود ويقف فيه على بيت القصيد ويهرع إليه كل من يريد.»
130
فأين إعلانات صنوع من هذه المجلة التي تحدثت كثيرا عن شئون المسرح، كما بينا سابقا؟! علما بأن هذه المجلة كانت تصدر بمساعدة الخديو إسماعيل شخصيا؛ لأنها كانت تخدم أفكاره وتوجهاته بإخلاص تام،
131
ذلك الخديو الذي شجع يعقوب صنوع في إقامة مسرحه ومنحه لقب «موليير مصر»، على حد أقوال صحف ومذكرات صنوع! هذا بالإضافة إلى أن هذا الإعلان تم لصقه في أكتوبر 1870؛ أي في أول أعوام نشاط صنوع كمسرحي، وفي فترة وفاقه مع الخديو إسماعيل، كما زعم صنوع في مذكراته ... وعلى هذا الأساس نقول: لماذا تجاهلت الصحف المصرية إعلانات مسرحيات صنوع، خصوصا الصحف الموالية للخديو ... صديق صنوع؟! الواقع أن هذا التجاهل لم يكن مقصودا، بل كان تجاهلا طبيعيا لعدم وجود إعلانات لمسرحيات صنوع.
والأمر الثاني الذي تعرضت إليه الناقدة في كتابها، كان موضوع رفت صنوع من المدارس الملكية في مصر، وأن هذا الرفت كان بسبب كره علي مبارك - ناظر المعارف - لفن المسرح، الذي بدعه المدرس صنوع. وهذه المعلومة أخذتها الناقدة من حوار جاء في مسرحية «موليير مصر وما يقاسيه». وعلقت على ذلك الحوار قائلة: «لقد قاد علي مبارك حركة الهجوم على صنوع، وأقنع الخديوي إسماعيل أولا بإعفائه من التدريس لأبناء البلاط الملكي، ثم بإغلاق مسرحه.»
132
ورغم أن أساس المعلومة واه؛ لأنه جاء من خلال حوار في مسرحية، ولم يأت من خلال أقوال صريحة في صحف ومذكرات صنوع، إلا أن الناقدة سلمت به وبنت تفسيرا له قائلة تحت عنوان «لماذا هاجم علي مبارك صنوع؟»: إن سبب هجوم علي مبارك «اقتناعه بأن فكرة المسرح لا تناسب البيئة المصرية المحافظة، ولأنه هو نفسه كان محافظا، فربما رأى - كغيره من الناس حينذاك - في إقامة مسرح عربي بمصر بدعة من البدع التي تصرف الناس عن العمل الصالح، وتبيح وقوف الأنثى إلى جانب الرجل، تطارحه علانية الغرام أو يطارحها الحب والهيام ... وربما كان هجوم علي مبارك على مسرح صنوع مرجعه إلى أنه كان قد كون فكرة مسبقة تنكر أي قيمة لهذا اللون من النشاط الفني العربي. ذلك أنه شاهد عرضا لفرقة أولاد رابية الجوالة فلم يرض عنه، وهاجم هذه الفرقة؛ ومن ثم فقد راح يحمل على أي نشاط فني عربي يمت بصلة إلى التمثيل. وربما تذكر علي مبارك عروض هذه الفرقة عندما شاهد مسرحيات صنوع فوجد بينهما تشابها، فهاجم مسرحيات صنوع.»
133
نامعلوم صفحہ