تاریخ مسرح
تاريخ المسرح في العالم العربي: القرن التاسع عشر
اصناف
هذه هي المعلومات المتاحة في جميع المراجع والكتب المتداولة بين أيدينا. وكما قلت - فيما سبق - إن هذه المعلومات تعطي للقارئ انطباعا أن الأوبرا تم تشييدها وافتتاحها من أجل أوبرا عايدة فقط. وبمعنى أوضح لا نجد أية أخبار عن نشاط الأوبرا منذ افتتاحها حتى قدوم الفرق الشامية إلى مصر. لذلك جهدت نفسي في البحث والتقصي حتى استطعت أخيرا أن أحصل على معلومات مهمة
43
تغطي بعض المواسم الأولى للأوبرا، وبالأخص موسمها الأول وتغطية كاملة عن ليالي الافتتاح الأولى، من خلال بعض الدوريات التي صدرت بمصر في ذلك الوقت. وأخيرا توصلت إلى تغطية شاملة لبعض الحفلات والعروض المسرحية المقامة في الأوبرا طوال القرن التاسع عشر، مع ملاحظة إبعاد حفلات وعروض الفرق المسرحية الكبرى، وكذلك عروض الفرق المغمورة، وأخيرا حفلات وعروض الجمعيات، خوفا من التكرار؛ لأنني سأتحدث عنها في أماكن مستقلة في هذا الكتاب.
وإذا أردنا أن نتحدث عن نشاط الأوبرا الفني، لا بد لنا أن نبدأ منذ ليلة الافتتاح، تلك الليلة التي اختلفت في تحديدها معظم المراجع، فجاء الافتتاح فيها في أيام كثيرة منها يوم 1، 10، 16، 24، 29 نوفمبر 1869. كما تمثل الاختلاف أيضا في عرض افتتاح الأوبرا، هل هو أوبرا عايدة أو أوبرا ريجوليتو؟ وآخر الاختلافات كان في أسماء من حضروا هذا الافتتاح من ملوك وأمراء أوروبا، وبالأخص إمبراطورة فرنسا أوجيني.
وهذه الاختلافات، أو تضاربها كان بسبب صعوبة الحصول على الوثائق التي كانت محفوظة بمكتبة الأوبرا القديمة قبل احتراقها في 29 / 10 / 1971. ومن حسن الحظ أن هناك دورية لم يلتفت إليها معظم النقاد والكتاب، وهذه الدورية أرخت وتحدثت بصورة حاسمة عن هذه الأمور وفي وقتها، ألا وهي مجلة «وادي النيل»، التي تعد أول مجلة سياسية أدبية في مصر، لصاحبها الشاعر عبد الله أبي السعود أول معرب لأوبرا عايدة.
صورة غلاف مجلة «وادي النيل».
وهذه المجلة وصفت في يوم الجمعة 5 / 11 / 1869 ليلة افتتاح الأوبرا قائلة: «في ليلة الإثنين الماضي [الموافق 1 / 11 / 1869] حصل أول الافتتاح مع غاية النجاح لنوع التياترو المسمى بالأوبيره (بضم الهمزة في أوله يليها واو ساكنة ثم باء موحدة فارسية مفخمة؛ أي ملعب التخليعات التصويرية الممزوجة بالألحان الموسيقية). وكان قبل ذلك قد افتتح نوع التياترو المسمى باسم تياترو الكوميدية (أي ملعب التخليعات المضحكة). وقد تشيد لكل منهما مكان مخصوص بالعناية الخديوية بالمحلة الجديدة المسماة باسم الإسماعيلية من الأزبكية. وبعد العشاء بنحو ساعة من تلك الليلة، كان الجناب الخديوي العالي قد شرف هذا المكان بحضرته. وجلس في الحجرة الخديوية المعدة فيه لإقامته فيما بين حضرة الأمير الإيطالياني المسمى باسم لودوق داووست، وحضرة لادوشيس دووست زوجته. إذ كان كل منهما جليسه في تلك الليلة الأنيسة. وتم بذلك الفرح والسرور لسائر الحضور حيث كانوا يجهرون جميعا على عدة مرات للحضرة الخديوية العلية بطول الحياة. وقد انكشفت الستارة أولا عن تلحين قصيدة أغاني باللغة الفرنساوية كان قد نظمها بعض أدباء الأمراء الإفرنجيين في مدحة الحضرة الخديوية. وقد زان هذا المنظر الجميل صورة أعلى ذاته البهية، موضوعة في وسط المجلس على دكة علية، يحيط بها من اللاعبين واللاعبات ما يتصور في ذاتهم بطريق الرموز الإشارية صورة العدل والحلم والشهرة وغير ذلك من الأوصاف الجميلة التي تعود على ذاته الجليلة بالمدح ويطول منها الشرح.»
44
ونلاحظ في هذا القول أن المجلة وصفت كيفية نطق كلمة الأوبيره أي الأوبرا ؛ لأنها لفظة جديدة على الشعب العربي في ذلك الوقت. ثم نجدها أيضا تقول عن وصف دار الأوبرا بأنه ملعب التخليعات التصويرية الممزوجة بالألحان الموسيقية. وكلمة ملعب هي مرادف لكلمة تياترو أو مرسح في ذلك الوقت. أما كلمة تخليعات فالمقصود منها عدم التحكم في حركات الجسد مما يعطي إحساسا للمشاهد بالضحك؛ لأن التمثيل في ذلك الوقت كان في نظر الناس نوع من الخلاعة والتهتك. أما محلة الإسماعيلية بالأزبكية، فهي حاليا منطقة «وسط البلد» التي تمتد من ميدان الأوبرا حتى ميدان التحرير، الذي كان يسمى ميدان الإسماعيلية. واسم المنطقة والميدان مشتق من اسم الخديو إسماعيل الذي بناهما. وكان لا يقطن محلة الإسماعيلية إلا الأعيان والجاليات الأجنبية. وعندما تولى الخديو توفيق حكم مصر، بنى منطقة التوفيقية المجاورة للإسماعيلية تشبها بما فعله الخديو إسماعيل.
كما نلاحظ أيضا في هذا الخبر أمرين مهمين؛ أولهما: أن الأمير الإيطالي وزوجته هما فقط الذين حضرا افتتاح الأوبرا. وقبل حصولنا على هذا الخبر، كنا نقرأ أن الذين حضروا الافتتاح هم: إمبراطورة فرنسا أوجيني، وإمبراطور النمسا، وسفير إنجلترا، وسفير روسيا، وولي عهد بروسيا، وأمير وأميرة هولندا ... إلخ. والحقيقة أن هؤلاء لم يحضروا افتتاح الأوبرا كما هو معروف، ولكنهم حضروا افتتاح قناة السويس في 17 / 11 / 1869، ولو كانوا حضروا افتتاح الأوبرا لسارعت المجلة بذكر أسمائهم، كما سارعت بذكر وصف حضورهم لافتتاح القناة بصورة دقيقة في أعدادها التالية.
نامعلوم صفحہ