1
فرصة الثورات والفتن التي ظهرت في أواخر العائلة الثالثة عشرة، فجعلت أمراءها ملوكا على مصر وأعادت النفوذ والسلطان لأهالي الدلتا. (2) الهيكسوس (أي العمالقة)
ولكن الملوك الخارجين من هذه المدينة لم يقدروا على صد غارات الأغراب، قال مانيثون: «تولانا ملك اسمه تيماوس، وما أدري لماذا أرسل الله علينا في عهده ريحا عاكسنا بها، فقدم على بلادنا أناس من المشرق محتقرون مهينون، فأغاروا عليها وأخضعوها بسهولة ومن غير قتال، وهذا أمر بعيد الاحتمال ولم يكن في حسبان إنسان.» فإن الأعراب انقضوا على الدلتا وانتشروا في أنحائها انتشار الجراد، وما لبث أولئك الرعاة أن اختاروا سلاطين أحد رؤسائهم فولوه ملكا عليهم، وألزموا جميع الأمراء الوطنيين الاعتراف به والخضوع لسلطانه (وكان ذلك فيما بين سنة 2300 وسنة 2200ق.م) وقد استمر حكم الهيكسوس (الملوك الرعاة) ستة قرون، وبقيت هذه العشائر وهي متحصنة في معسكر أواريس على حالتها من الخشونة والفظاظة، ولكن ملوكهم ما لبثوا أن رقوا في سلم المدنية ومعراج الحضارة حتى صاروا يشبهون الفراعنة تمام المشابهة، فشادوا المعابد والهياكل، وأقاموا التماثيل والأنصاب، واتخذوا اللسان المصري لغة رسمية لهم، ونشأ منهم عائلتان (الخامسة عشرة والسادسة عشرة) معترف بهما من الجميع، ثم قام ولاة الأقاليم القبلية ورجعوا إلى استقلالهم، وساعدهم على ذلك بعدهم عن الدلتا، ثم مالؤا ملوك طيبة على الملوك المتناسلين من الأغراب فظهرت العائلة السابعة عشرة «الطيبية»، واستمرت مدة قرن ونصف وهي تحاول استرجاع الفيوم والدلتا، وقد استولى الملك أموسيس أول فراعنة العائلة الثامنة عشرة على معسكر أواريس، وطرد من بقي من الرعاة العمالقة إلى بلاد الشام (وذلك فيما بين سنتي 1700 و1650 قبل الميلاد)، وحينئذ صارت طيبة مرة ثانية عاصمة للديار المصرية. (3) العائلة الثامنة عشرة وحروبها في حوض النيل
كانت مدة الحكم الثاني في مدينة طيبة شبيهة بمدة الحكم الأول؛ من حيث نوال الفخار بالفوز والانتصار في الوقائع الحربية والأعمال العسكرية، ولكن ملوك هذه العائلة لم يقصدوا فتح الأقاليم التي غزاها أمراء طيبة قبلهم؛ لأن النوبة ما زالت مصرية في أيام الرعاة، وقد أعاد لها ملوك طيبة رفاهيتها القديمة من غير عناء، وإنما استمروا في الاستعمار إلى أن بلغوا ضواحي بربر وفيما وراءها لم يكن لهم إلا أمراء تابعون لهم أو متحالفون معهم، وكانوا يرسلون السرايا عن طريق النيل حينا فحينا إلى واحات دارفور أو إلى سهول سنار، فيحرقون القرى ويسلبون المواشي ويسبون كل من تصل إليه أيديهم من السكان، ثم يعودون إلى بلادهم من غير أن يتركوا خلفهم مستعمرات ولا حامية من الجنود. وقد تقدموا في غاراتهم حتى بلغوا سفح جبال الحبشة، ولكنهم لم يخاطروا بأنفسهم في الدخول إليها، ومن جهة أخرى كانوا يرسلون أسطولهم أحيانا في البحر الأحمر إلى بلاد بونيت
2 (السومالي واليمن) لجلب عود الند والأعطار وسن الفيل والأخشاب النفيسة الثمينة ولإخضاع قبائل السواحل وجعلها تحت سيادة مصر، ولو في الظاهر، وما كان الأسطول يصادف في هذه الجهات أمة متمدنة تقاومه مقاومة صادقة حقيقية. (4) فتوح الشام وذكر تحوتمس الثالث
بل وجهوا وجهة جلادهم إلى بلاد الشام فجعلوها ميدانا للقتال والنزال، ولم تكن هذه الأقطار مجهولة قبل العائلة الثامنة عشرة، ولكن الفراعنة ما كانوا اقتربوا منها قط فإن أموسيس اقتفى فيها أثر من بقي من الرعاة، وجابها تحوتمس الأول إلى أن بلغ الفرات (في نواحي سنة 1580ق.م)، وأما تحوتمس الثالث (شكل
4-1 ) فقد أخضعها بتمامها (وذلك فيما بين سنتي 1560 و1530ق.م).
شكل 4-1:
الفرعون تحوتموسيس الثالث.
وكان الكنعانيون متوطنين في جنوبها وفي وسطها، والفلسطينيون على شطوطها، وأما شمالها فكان يعمره طوائف الخيثي (الخيثيين) وقبائل بعضها سامي الأصل، يطلق عليه المصريون اسم جنس مخصوص وهو روتنو. وكان نفوذ بابل راجحا في هذه الأقطار حتى أشبهت أخلاق أهاليها وديانتهم أخلاق البابليين وديانتهم، وصارت اللغة البابلية متفاهمة في جميع أنحائها ، والكتابة البابلية شائعة الاستعمال عندهم، فلما ظهر المصريون فيما بين أمم يعادلونهم في الحضارة والانتظام لم يختلج بنفوسهم إنشاء المستعمرات في أرضهم، ولم يروا وجها لتمثيلهم بهم، كما فعلوا مع أهالي النوبة، بل تركوا لهم شرائعهم ونظاماتهم، وأقروا العائلات الحاكمة منهم فيهم، واكتفوا بضرب الجزية السنوية عليهم، وبالتجنيد منهم أحيانا، ثم احتلوا قليلا من الحصون والقلاع مثل غزة ومجدو
نامعلوم صفحہ