- الباب الثالث- في عدله وانقياده للشرع
لما ملك - تغمده الله برحمته - أسبغ ملابس العدل على الرعايا ، واستسن بسنة العمرين في جميع القضايا ، أخذا بكتاب الله (الذي) عمر البلاد صلاحه ، وشملالخلايق في كل ناد فلاحه ، وأشرق في الآفاق صباحه ، وأنار على الوجود مصباحه وعملا بقوله صلى الله عليه وسلم : "عدل يوم يعدل عبادة أربعين سنة" ، وثقة بقول من قال :
من عف عن ظلم العباد تورعا
جاءته ألطاف الإله تبرعا
فجلس مع القضاة في دار عدل جعلها ملجأ للمظلوم ، وموثلا للخصوم ، فإن عدى أحد حده قادرا ، وتجاوز طوره في جوره رده إلى الحق صاغرا ، وأعاده إلى كوره بعد جوره :
قد صير العدل محبوبا ييم به
فليس يسمع فيه عذل من عذلا
وإن أسعد خلق الله كلهم
من رام ملكأ فلما ناله عدلا
ومن كريم سجاياه وشرف أوصافه ، وما ألزمه نفسه من انقياده إلى الشرع المطهر وإنصافه ، أنه حفر بيرا في حال إمرته بالقرافة فتغلب عليها جمال الدين محمود المعروف أستاذ دار الأمير سيف الدين بهادر المعزي بحكم غيبته بالشام ، فأكمل عمارتها مستعينا بما أعده من طينها وحجارتها ، فلم ير انتزاعها من يده بيد سلطانه ، بل دعاه إلى دار العدل المرصدة للحكم والفصل ، ووقف مساويا خصمه لدى قاضي القضاة. تاج الدين عبد الوهاب بن خلف المعروف بابن بنت الأعز وأثبت البير بالبية االعادلة والحجة الفاصلة ، وتسلمها ورد إلى ذلك المتغلب أجرة عمارته فيها ، وظهرتا منه محبة العدل سريرة لم يكن من قبل يخفيها ، وكان ذلك يوما مشهودا ، ومقاما محمودا:
صفحہ 277