تاريخ جنون
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
اصناف
ولقد أتاح اختفاء التقسيم إلى مناطق للتصنيف القيام بتوزيعات جديدة كانت كثيرا ما تخطئ قبلا، ولا سيما في مجالات رعاية الأطفال وطب الشيخوخة. وتساهم المداواة بالعمل والاحتفالات الصغيرة التي تقام في إعادة إعداد المرضى للحياة الاجتماعية من جديد. وعند الخروج من هذه المصحة النفسية الجديدة، تكون هناك حلقات أخرى من العلاج لتدعم من اندماج المريض ثانية في الحياة الفعلية: دور للرعاية اللاحقة داخل المدن، وهي تشبه المنازل الخاصة أو الفنادق الصغيرة إلى جانب ورش عمل مؤمنة، ومجموعات عمل زراعية وصناعية تضم ما بين عشرين وخمسين مريضا خارج المصحة، وتهدف أيضا إلى رعاية مرضى الفصام المزمنين.
تطلب تنفيذ هذه البنية الجديدة للمصحات - التي ظهرت المطالبة بها منذ الخمسينيات وأصبحت في الإمكان بسبب ظهور بعض أنماط للعلاج انتقدها الجميع، وإن ظلوا يعملون بها - عشرين عاما. في فرنسا، دائما ما يطول الوقت بين الفكرة والتنفيذ. فعلى أرض الواقع، نجد في الأغلب مصحات نفسية ضخمة يجب تحويلها بخطط ومشروعات متباعدة في معظم الأحيان إلى نموذج المستشفى القرية، الذي يحلم به ما تبقى من الأطباء النفسيين المعماريين. وخلال فترة طويلة - على الرغم من الإصلاحات المدونة على الورق - استمر ما يقرب من 100 ألف مريض عقليا يعيشون في مصحات الأمراض العقلية التي ترجع إلى القرن التاسع عشر.
بدأ تنفيذ تفكيك «مركزية المصحات» رسميا بمنشور الخامس عشر من مارس 1960 الذي أنشأ «القطاع»، وهو تقسيم جغرافي سكاني مكون من 70 ألف مواطن، وسرعان ما أسماه مناهضو الطب النفسي «فليسياتري». نجد فيه كافة المبادئ المنصوص عليها، وبموجبها يجب أن تأخذ الأبنية خارج المصحة مكانا أكبر. كان الهدف ثلاثيا: العلاج في مرحلة مبكرة وعدم فصل المريض عن أسرته وبيئته إلا في أضيق الحدود وتوفير رعاية لاحقة لتجنب الاحتجاز مرة ثانية. ويتولى الفريق النفسي والطبي الاجتماعي في أي قطاع مسئولية كافة الأبنية التابعة له. ونتذكر حينها أن إدوارد تولوز عام 1927 قد قام بتنظيم خدمة الوقاية الصحية العقلية في منطقة السين: الحالات البسيطة في العيادة، والمرضى ذوو الإصابات البالغة في المصحة، والخارجون يخضعون لمتابعة طبية. ولكن هذه المرة، كانت حركة الإصلاح تستهدف فرنسا برمتها، تلك الحركة التي غيرت جذريا المؤسسة الطبية النفسية. وأقر قانون الحادي والثلاثين من ديسمبر 1985 مبدأ التقسيم إلى قطاعات نهائيا ، معدلا بذلك قانون 1838؛ حيث لم يعد يلزم الأقسام والمناطق بأن يكون لديها مؤسسة عامة (أو خاصة لها مهمة عامة). وجاء مرسوم التطبيق في الرابع عشر من مارس 1986 ليميز بين قطاعات الطب النفسي العام وقطاعات الطب النفسي للأطفال والشباب والطب النفسي في المؤسسات العقابية.
استغرقت عملية تطبيق التقسيم إلى قطاعات طويلا، وكان السبب الأساسي هو التمويل. في البداية، كان الضمان الاجتماعي لا يسدد إلا تكاليف الرعاية في المصحة أما الباقي فتسدده المنطقة أو الدولة. كما توجب أيضا تعيين فريق عمل من الأطباء النفسيين والتعامل مع الرفض المتكرر للعاملين الفعليين التنقل إلى مكان آخر، إلا في حالة ترك المصحة للعمل في أحد تلك الأبنية القريبة من القطاع. عام 1981، استشعر اثنان من الباحثين بالمعهد القومي للدراسات الإحصائية القلق: «يرجع فشل سياسة التقسيم لقطاعات إلى التشدد الكبير من قبل المؤسسات التي تعطي الطب النفسي التطبيقي وضعا متأخرا بشدة عن باقي المعارف النظرية. ويرجع هذا التشدد إلى المباني القائمة نفسها وإلى البيروقراطية الإدارية والاتجاه المحافظ على التقسيمات الاجتماعية المهنية المتورطة في الموضوع. أو ربما لم يتم التوصل إلى وسائل مادية لتنفيذ التغيير المطلوب.»
5
في النهاية، تم تنفيذ خطة التقسيم بنجاح رغم كل شيء. وشهدت طريقة استقبال المرضى وإدخالهم المصحة ثورة عميقة مع تعميم الدخول الحر للمصحات؛ أي بموافقة من المريض الذي أصبح له الآن نفس حقوق أي مريض في مستشفى عام. فمن حقه أن يرفض أي علاج أو أن يغادر الوحدة. تأسس الدخول الحر للمصحات منذ عام 1937، ولكنه بدأ في النمو بعد الحرب العالمية الثانية. عام 1980، أصبح يمثل 58,5٪ من نسبة دخول المصحة (26,8٪ عام 1971). خلال عشرين عاما - من 1965 حتى 1984 - بلغ عدد خدمات الطب النفسي الملحقة بالمستشفيات العامة 130 خدمة (79 عام 1975).
6
وانخفضت بنسبة 28٪ حالات الإقامة الكاملة داخل المراكز العلاجية المتخصصة، أو في المصحات النفسية الخاصة التي تمارس عمل المستشفيات العامة وفي خدمات الطب النفسي داخل المستشفيات العامة، كما انخفض متوسط الإقامة من أحد عشر شهرا عام 1965 حتى ثلاثة أشهر عام 1984. إلا أن هذا لم يمر دائما دون زيادة حالات الدخول الثاني للمصحة (لم نعد نقول انتكاسات): 281٪ بين عامي 1965 و1984، بل أيضا ونسبة دخول المصحة: 152٪. وتسمى هذه القفزة الكمية الهائلة في حالات الدخول الثاني للمصحة في الولايات المتحدة «ظاهرة الباب الدوار». وبالطبع يجعل هذا الأمر القول بانخفاض نسبة دخول المصحات أمرا نسبيا، يشهد تغيرات ولكنه لا يختفي. كانت المراكز العلاجية المتخصصة هي التي تجتذب أكبر قدر من تمويل القطاع. أما نسبة الوفيات، التي كانت الشبح الأكبر للطب العقلي، فلم تكن تزيد عن 1,57٪ عام 1984، في حين أنها كانت قد شهدت ارتفاعا عام 1965 حين بلغت 3,42٪ (وهنا نتذكر نسبة الوفيات التي كانت تصل أحيانا إلى خمسين بالمائة خلال العصر الذهبي لمصحة الأمراض العقلية).
لم يكن قانون 1838 القديم ليستمر وسط هذا الزخم من الإصلاحات. فاستبدل به قانون السابع والعشرين من يونيو 1990، الذي ينظم شروط دخول المصحة لمرضى الاعتلال العقلي وحماية حقوقهم. وفي القانون تم التمييز بوضوح بين الدخول الحر للمصحات والدخول «دون موافقة المريض»؛ أي بناء على طلب طرف ثالث (أي «الاحتجاز الطوعي» القديم) وبين دخول المصحة بناء على طلب جهة رسمية، وهو لا يختلف كثيرا عن الاحتجاز الإجباري الذي نص عليه قانون 1838: في تلك الحالات يجب أن يكون هناك قرار من المحافظ أو شهادة طبية من طبيب المصحة (موضحة في تقارير يومية، ثم كل أسبوعين ثم كل شهر). كما تم تعزيز وسائل المراقبة والعقاب في يد الجهاز الطبي، أكثر من التي في يد المحافظ، حتى وإن كانت هناك في كل قطاع «لجنة من المحافظة للإشراف على حالات دخول المصحة لأغراض طبية نفسية مكلفة بفحص أوضاع وحالات الأشخاص الداخلين للمصحة بسبب اضطرابات عقلية؛ لضمان احترام الحريات الفردية وكرامة الإنسان.» ومن المفترض أن تلعب اللجنة دورا هاما في حالات إدخال مرضى للمصحة دون موافقتهم؛ ولذلك يجب إبلاغها فورا بمثل هذه الحالات. كما يجب عليها أيضا التحقق من كافة البيانات المدونة في السجلات القانونية وزيارة المصحات وتلقي الشكاوى من المرضى ... هذا مثير! ولعل أحد المتشائمين يقول إن الورق لا يدل على شيء.
من المرض العقلي إلى اضطرابات الشخصية
نامعلوم صفحہ