151

تاريخ جنون

تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا

اصناف

9

تبرز فترة زمنية طويلة تضم النصف الثاني من القرن الثامن عشر والنصف الأول من القرن التاسع عشر. كانت حالات الجنون الحادة تعالج في المشافي العامة، بينما أقيمت مصحات في المدن الكبرى والمقاطعات الرئيسة لإيواء المرضى المزمنين. فأنشئت مصحة لوك لعلاج مرضى الهوس مثلا في عام 1773، وكانت تقدم هناك بعض الرعاية الطبية. في غضون بضعة أشهر، بلغ عدد المرضى هناك أربعة وعشرين رجلا وثلاثا وثلاثين امرأة. في عام 1881، ارتفع هذا العدد تدريجيا حتى بلغ أربعمائة وستين مريضا.

10

ثم توالت المؤسسات: بارما وسيينا وبيروس على أراضي البابا ومقاطعة ريجيو إيمليا (دوق مودين) وبالرما، إلا أن التفاوت على المستوى التشريعي كان شديدا. أصدرت توسكاني وحدها قانونا خاصا باحتجاز مرضى الاعتلال العقلي، مخضعا القبول والخروج لتصريح من محكمة. أما غير ذلك، فلم يكن هناك أي التزام إلا إبلاغ المحافظ عن أي احتجاز، ولكن ألم تكن الحال هكذا أيضا في قاعات مرضى الاعتلال العقلي في فينيسيا أو فيرونا؟ لاقى الجيل الأول من أطباء الأمراض العقلية مصيرا أكثر بؤسا من زملائهم الفرنسيين. فكان راتب طبيب المجانين في مصحة أفرسا كامباني - التي أنشئت عام 1813 بقرار من مورا - يعادل راتب حارس عقار؛ أي ما يوازي تسعة دوكات شهريا، بينما كان «معلم المجانين» (أي كبير الحراس) يتقاضى خمسة وعشرين دوكا؛ نظرا لأهمية دوره.

زار ألكساندر بريير دي بواسمون - في بداية مسيرته المهنية كطبيب للأمراض العقلية - العديد من المصحات الإيطالية للأمراض العقلية. وبدت له مصحة جنوة بعيدة كل البعد عن أفكار العصر حول علاج ومصحات مرضى الاعتلال العقلي. كان كل شيء حوله يسبب له «التقزز والشفقة».

11

كان المرضى هناك مربوطين بل مكبلين بالسلاسل. ولم يكن هناك في الغرف الأربع المخصصة للرجال والاثنتين المخصصتين للنساء أي تقسيم أو فصل. «لن نضيف إلا كلمة واحدة عن هذه المؤسسة: لا يتمكن المرضى من الخروج من هناك إلا بعد تأدية سر الاعتراف.» ولم تنل مصحة سينافرا الخيرية - بالقرب من ميلانو - تقديرا أعلى من ذلك بكثير. في عام 1850، جاء تيوفيل جوتييه إلى إيطاليا، ليس كطبيب وإنما كصحفي، وزار مصحة سان سيرفولو بفينيسيا المقامة منذ عام 1733 على جزيرة. بدت له المباني غاية في الرتابة. «فلم يبذل الكثير من الجهد لتحويل غرف الرهبان إلى زنازين للمجانين.» إلا أن المرضى أنفسهم تركوا فيها أثرا كبيرا: «لا يجد ما هو أكثر بؤسا وغموضا منهم، وكأنهم سفن تسير دون بوصلة، شعلة تركت مصباحها، وحياة من دون كيان. لعل الروح المظلمة القابعة داخل المجنون تستعيد وعيها بعد الموت، أم ستكون هناك أرواح مجنونة إلى الأبد؟ ... كان هناك مرضى يلعبون في هدوء بالكرات في الحديقة الجرداء تحيط بهم الجدران، وعلى الجانب الآخر يلعبون الليدو، بينما يتنزه اثنان أو ثلاثة بخطوات متعجلة تطاردهم هلاوس مخيفة. بينما وقف آخر ساكنا وله هيئة جافة ونحيفة ورأس عار مكشوف للرياح وكأنه طائر البلشون يقف فوق أحد المستنقعات، ولا شك في أنه كان يعتقد أنه هذا الطائر الذي يتقمص وقفته.»

12

بعد كل تلك الفترة البائدة، التي كان من الصعب فيها إيجاد مبادئ شياروجي التي تطبق في مصحة القديس بونيفاس بفلورنسا، لاح في الأفق منعطف هام في منتصف القرن التاسع عشر، بتخطيط عام هذه المرة. أصبح الأطباء مشهورين وأصبحوا هم من يقدمون المشاريع. فأندريا فيرجا (1811-1895) - مدير مصحة سينافرا بميلانو، ثم مدير المشفى العام منذ عام 1865 حيث كان يدرس الطب النفسي - كان قد أسس في عام 1873 «جمعية علاج الشرايين الإيطالية»، والتي ستتخذ في عام 1935 اسم جمعية الطب النفسي. ولكونه نائبا بالبرلمان، دافع عام 1876 عن ضرورة وضع تشريع خاص بمصحات الأمراض العقلية. ويعد فيرجا وتامبوريني بروما وتانزي بفلورنسا ومورسيلي بجنوة وآخرون؛ هم الآباء المؤسسين لقانون الرابع عشر من فبراير 1904، المماثل لقانون عام 1838 بفرنسا. ودون جدوى، حلم هؤلاء الأطباء - ذوو النزعة المعادية لرجال الدين - بعلمنة كاملة للعلاج النفسي في بلاد شديدة التمسك بالكاثوليكية كإيطاليا. في عام 1875 - حيث أجري أول تحقيق وطني حول مسألة مرضى الاعتلال العقلي - كانت إيطاليا تضم ثلاثا وأربعين مؤسسة (بلغت مائة وأربعين عام 1914) و12913 محتجزا (بلغوا 54311 في عام 1914)، بينما ظل عدد العاملين - سواء من الأطباء أو الممرضين - لا يتجاوز الحد الأدنى دائما.

كما نرى، فإن «القرن الذهبي لطب الأمراض العقلية» يختلف بشدة من بلد أوروبي إلى آخر. في إسبانيا،

نامعلوم صفحہ