144

تاريخ جنون

تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا

اصناف

هذا بالإضافة إلى المفرغات: المطهرات والمقيئات (حيث انتهى دور نبات الخربق ومضى طي النسيان)، والوسائل المسيلة للدورة الدموية والتي ظل يشار إليها، على الرغم من عداء إسكيرول لها. «ينتشر الدم بكميات رهيبة، وتسيل دماء المرضى عقليا الذين ينزفون حتى تخور قواهم؛ اعتقادا من الأطباء أنهم يشفونهم.» كانت هناك أشكال معينة من السوداوية المحتقنة والهذيان الحاد لدى المرضى الشباب تستدعي استخدام العلقات والحجامة. فيوصي بها كبير الأطباء بمصحة شارنتون-كالميل (1798-1895): «إذا رأينا نوعا من احمرار الوجه وثقل الرأس وغيرها من المؤشرات المقلقة التي تحملنا على الاعتقاد بضرورة سحب كمية من دم المريض، نفضل استخدام العلقات عند الشرج أو الصدغ خلف الأذن عن استخدام الأدوية المسيلة للدورة الدموية التي ذاع استخدامها بكثرة خلال قرون.»

80

إلا أنه كان هناك مؤيدون متطرفون لهذه الأدوية، مثل بنجامين روش - صاحب اختراع الجيراتور والمهدئ - والذي اقترح استخدام أدوية قد يصل حجمها إلى أربعة أخماس الكتلة الدموية الكلية للجسم.

تعمل الأدوية المهيجة - التي يمكن ربطها بالمفرغات - على الحل محل عمليات الإفراغ غير الكافية. على مدار القرن التاسع عشر بأكمله، كان المرضى غير المتجاوبين يخضعون إلى الفتيلة المنفطة، والاحتكاكات المهيجة ولاصقات الخردل اللاذعة. ويصف راي - بحسه الابتكاري - استخدام الشمع الساخن. بينما يقترح جيزلان وبينيل البلجيكيان - رش ملابس المريض «بمادة نباتية مسببة للحكة.»

81

كما يقول المثل الإنجليزي، إذا كنت تعيسا فاشغل نفسك بشيء آخر، وبعيدا عن نظريات الخلطات القديمة - التي لم تزل إلا على مضض وادعت دائما أنها قادرة على تغيير الحالة المزاجية - ظل التجريب القديم في علاجات الجنون حاضرا.

ويعمل «العلاج بالحمى» (استخدام الحمى لأسباب علاجية) بالطريقة نفسها لعمل المهيجات (ومن بينها يضع قاموس ديشامبر الطبي استخدام نبات القراص لعلاج حالات الشلل الهستيري). وكالمعتاد، ولدت الفكرة من ملاحظة عابرة: بعض حالات الشفاء من الأمراض العقلية تمت على إثر عدوى شديدة. في مطلع القرن العشرين، كانت الحقن الزيتية الكبريتية تحت الجلد تسمح بإحداث نوبات هياج متكررة . إلا أن جائحة البرد تصل بالعلاج بالحمى إلى ذروته. وبعد عدة عقود من التجارب القائمة على إحداث نوبات من الملاريا للمصابين بالشلل العام، استطاع طبيب الأمراض العقلية جوليوس فاجنر فون جوريج (1857-1940) من فيينا عام 1917 أن يقوم بحقن ثلاثة بيتا جرامات من الدم مأخوذة من رجل عسكري مصاب بحمى المستنقعات ودخل حديثا إلى المشفى. ومن هنا ولدت فكرة «العلاج بالملاريا» التي تقوم على إحداث سلسلة من نوبات الحمى (حمى شديدة كل يومين) يجري التحكم فيها باستخدام الكينين. ونال صاحب هذا العلاج جائزة نوبل في الطب عام 1927 - والوحيدة التي أهديت إلى طبيب أمراض عقلية - وحقق العلاج ذاته نجاحات غير عادية، واستطاع أن يفرض نفسه حتى ظهور العلاج بالبنسلين في أعقاب الحرب العالمية الثانية.

وفي وسط هذا الزخم العجيب، تظهر وسائل علاجية نظن أنها كانت في طي النسيان. كانت هذه هي حال المحاولة القديمة للدخول في منطق المريض عقليا؛ وهي الطريقة التي انتقدها إسكيرول بشدة. أفليست أفضل طريقة لتثبيت هلاوس المريض عقليا هي موافقته عليها؟ «فموافقتنا للمريض على واقعية هذيانه ورؤاه، تعني ليس فقط أنه ليس مجنونا، وإنما صحة من يدعي أن يكونه، مثل اعتقاده أنه المسيح.»

82

وعلى الرغم من ذلك، يدافع شارل شتراوس مدير مصحة شارنتون عن هذه الطريقة في مطلع القرن العشرين قائلا: «نعتقد أنه هناك فائدة من خلق وجود خاص لغير الأسوياء، يكون مناسبا لحالتهم الخاصة: متابعة ودفع تلك المحاولة مع محاولة محاكاة مظاهر تتماشى مع التفاوت الغريب في أفكارهم [...] باختصار، نحن نأمل في وجود نية أو محاولة للتأقلم مع عالم الأوهام المتجانس مع هلاوس المريض (ويذكر شتراوس مقطع فيليب بينيل: «في بعض الظروف، يمكننا استخدام المكر واللجوء للكذب الماهر لكسب ثقة المريض والدخول إلى أحلامه بهدف شفائها تدريجيا») [...] كانت هناك امرأة - في وسط أعنف نوبات جنونها - تصرخ باسم طفلها الذي تسبب موته في إصابتها بحالة من الهلع، ولحسن الحظ جاء الإلهام للدكتور ريتي بشراء دمية لطفل وليد بمستلزماتها ومهده وإعطائها لها، وبالفعل هدأت نوباتها وقل توترها، وكانت تقضي وقتها حاملة طفلها بين ذراعيها تغمره بقبلاتها وتضعه بحرص على فراشه.»

نامعلوم صفحہ