تاريخ جنون
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
اصناف
لقد طرح التصويت على قانون 1838 ضمنيا قضية إنشاء مصحات جديدة، ولكن ما المقصود ب «مصحات جديدة»؟ كان التفكير في الشكل الذي يجب أن يكون عليه - على وجه التحديد - مشفى المجانين، قد بدأ بالفعل قبل التصويت على قانون 1838 مع صدور «تعليمات حول الطريقة التي يجب اتباعها من أجل التحكم في المجانين والعمل على شفائهم في المصحات المخصصة» لهم عام 1785. اعتبارا من هذا التاريخ - وبالتالي قبل إسكيرول وقبل ظهور نموذجه «المصحة: أداة للشفاء» - تم التأكيد على «ضرورة تصنيف الأنواع المختلفة من الجنون وفصل بعضها عن بعض». ولقد رأينا مع ذلك أن معيار التصنيف كان يرتكز بالأحرى على السلوك وليس على علم توصيف الأمراض (النوزوجرافيا).
وحينما لاح في الأفق قانون 1838، بدأ تصميم قطاعات التصنيف، بشكل نظري، وكأن كل قطاع منها بمنزلة مصحة داخل المصحة، وحدة معمارية وعلاجية منغلقة على نفسها ومستقلة طبيا. إن إضافة هذه القطاعات إلى بعضها البعض، مع تعميم الخدمات، هو ما شكل المصحة، التي كانت تخصص أحيانا لجنس واحد، وأحيانا أخرى للجنسين، مع ما كان يستتبع ذلك من تكرار للنموذج القائم نفسه. فضلا عن ذلك، سبق أن رأينا، فيما يتعلق بإنشاء مشفى دو مان، أن التصنيف، الذي كان يترنح بين النوزوجرافيا والسلوك، أصبح أكثر تعقيدا بسبب المعايير المالية. فهناك من جهة ، المعوزين، ومن جهة أخرى النزلاء، وبالنسبة إلى هذه الفئة الأخيرة، كان يوجد أيضا تقسيم داخلي إلى طبقتين أو ثلاث متميزة بعضها عن بعض بحسب القدرة على الدفع.
هناك العديد من المسائل المهمة الأخرى التي طرحت نفسها على مشارف القرن التاسع عشر. ما هي مساحة مصحة الأمراض العقلية؟ كان تونون وكابانيس يفضلان أن تكون المشافي محدودة المساحة (بحيث تسع من 100 إلى 150 سريرا)، لشكهما في فرص الشفاء داخل مؤسسات كبرى وشاسعة. بيد أن هذا ليس ما نصبو إليه، وإنما على العكس، نحن نتجه نحو إنشاء مؤسسات كبيرة، بل كبيرة للغاية بحيث تصبح تكلفتها نسبيا أقل، وأيضا؛ لأن هذه المؤسسات الكبرى هي الوحيدة القادرة على إيجاد حل لمشكلة التصميم المعماري المؤرقة الناجمة عن التقسيم إلى قطاعات بحسب التصنيف. أما عن أولئك الذين لا يؤيدون وجود المصحات على الإطلاق، فهم قلة قليلة لدرجة تدفعنا للإشارة هنا إلى ذلك الصراع الذي شنه عبثا المدعو مور، محافظ مقاطعة فار في عام 1791.
1
لا لمصحات الأمراض العقلية - هكذا قال - لأنه يفضل وجود الداء على الدواء. بالطبع، المصحات التي يشير إليها هنا هذا المواطن هي المصحات «التي تنتمي إلى مرحلة ما قبل إسكيرول». بيد أن انتقاداته، التي صاغها وفقا لمبادئ العلاج المعنوي، هي المبادئ نفسها التي تلقي بالفعل بظلالها الثقيلة على المصحة المستقبلية. فالمختلون عقليا، حين يمرون بفترات الصحو، لا يسعهم إلا الشعور بالهلع والرعب واليأس عند رؤية منظر جنون الآخرين، ذلك الجنون الذي يغرقهم أكثر فأكثر في جنونهم الخاص. وفيما يتعلق بالعدد الكبير للمختلين عقليا المحتجزين داخل المشفى ذاته، فهو يوضح لنا استحالة الاهتمام فيه بشكل حقيقي بكل مريض على حدة؛ إذ يجب «أن يكون المعالج موجودا باستمرار مع المريض للاستفادة من هذه اللحظات السعيدة التي تكون فيها روحه لا تزال منفتحة على نور الحقيقة.» أليس من الأفضل توزيع هؤلاء المختلين عقليا في المشافي بالقرب من أسرهم؟ ولكن ذلك سيكون باهظ التكلفة. المحافظ هو الذي يتحدث هذه المرة.
مبادئ معمارية
لقد كان عصر المصحات بلا أدنى شك هو عصر اللقاء بين أطباء الأمراض العقلية والمهندسين المعماريين وسط أجواء حماسية من الهندسة المعمارية. كتب إسكيرول قائلا: «إن المخطط الخاص بمصحة الأمراض العقلية ليس أمرا بلا قيمة بحيث يتعين تركه للمهندسين المعماريين وحدهم.» ومن ثم، فإن المشروعات التي سيكتب لها النجاح ستكون نتاجا لهذا التعاون.
بيد أن المهندسين المعماريين أنصار التيار الخيالي لم يفشلوا. فإذا كان السجن، في بداية القرن التاسع عشر، هو التيمة الكبرى للهندسة المعمارية الوظيفية في فرنسا،
2
فإن المشفى وبالأحرى مصحة الأمراض العقلية، بسبب أهدافها المزدوجة، يشكلان تجسيدا لنظرية معمارية، تتسم بالمبالغة والغلو في بعض الأحيان. يضاف إلى المبدأ الأساسي القائم على التماثل التام؛ أي صورة الجسم المثالي، مبدأ آخر وهو مبدأ الهندسة المعمارية المرتكزة على المراقبة، التي يعد المثال الأبرز لها هو نموذج البانوبتيكون الشهير أو النموذج شمولي الرؤية (وهو نوع من السجون يسمح بمراقبة جميع السجناء دون أن يشعروا) الذي صممه جيريمي بنثام (1748-1832)، وهو فيلسوف نفعي وفقيه قانوني إنجليزي. لنتذكر سريعا هذا المبدأ: «مبنيان (دائريان) متداخلان أحدهما مع الآخر. يتكون المبنى المحيط من شقق السجناء [مع] وجود زنازين مفتوحة من الداخل [...] هناك برج يحتل الوسط، وهو مسكن المراقبين [...] يحيط ببرج المراقبة رواق مغطى بمشربية شفافة؛ مما يتيح للمراقب أن يتوغل بنظره في أعماق الزنازين، ولكن دون أن يراه أحد [...] وسواء أكان غائبا أم حاضرا، فإن فكرة حضوره فعالة كحضوره نفسه.»
نامعلوم صفحہ