ولا يخفي أن البلاذري كان قريب العهد من هذه الحوادث لأنه الخليفة المعتصم مات سنة 227 والمؤرخ أحمد بن يحيى البلاذري مات سنة 279.
وسنة 350 أسلم سالورخان سلطان التركمان سلالة طاغ خان وتسمى قره خان وأسلم معه قومه، وجاء ابنه فبنى جوامع وفتح عمه بفراخان كاشغر، وأخذ بخارى من السامانية، وجاء بعده أحمد خان بن أبي نصر فأكمل إسلام من لم يهتد من الأتراك، وازداد تردد الترك إلى بغداد ، وامتلأت منهم العراق وأرضوروم وأذربيجان، ووصلوا إلى الشام وصار منهم أمراء جيش الخلافة، واستبدوا بأمورها وصاروا يكتبون بالعربي، وبعضهم اتخذ اللسان الفارسي ولم يهتم أحد منهم بلسان «الأويغور التركي القديم» ولم يجعلوا التركي لسانا رسميا إلا في زمان بني سلجوق في الأناضول، ثم ترقي هذا اللسان في زمان الأتراك آل عثمان الذين خلفوا آل سلجوق، لا سيما في أيام محمد الفاتح وسليم وسليمان، وفكر سليم في جعل العربي لسان الدولة الرسمي فلم يطيعوه، لكن بقي لسان الدين والعلم، وأما لسان الأويغور فقد كان في زمن جنكيز خان ترقى كثيرا لكنه عراه بعد ذلك التوقف، وهو الذي يعرف ب«جغطاي» ثم بتوالي الزمن تباعد «التركي الغربي العثماني» عن «التركي الجغطائي» كثيرا. ثم هناك «تركي تتر القريم» وهو متوسط بين الفريقين.
وعلماء الألسن يجعلون التركي خمسة أقسام؛ الأول: الأويغوري أو الجغطائي، الثاني: التتاري، والثالث: القيرقيز، الرابع: الياقوتي، الخامس: العثماني، وليس للقيرقيز والياقوت أدبيات في ألسنتهم، والقرقيز مسلمون لكن الياقوت لا يزالون وثنيين، وقيل إن الياقوتي هو أصل التركي، والباقي فروع عنه، ويقول المدققون إن التركي يشبه في الدرجة الأولى لسان التونغور والمانشو من الألسنة الطورانية، وفي الدرجة الثانية لسان المغول، وفي الدرجة الثالثة لسان المجاور والفنلانديين.
هذا والفرقة الأنقرية من الأتراك المستبدة بأمر تركيا اليوم تعلم في مكاتب تركيا مذهبا جديدا في التاريخ، وهو أن أصل الترك الذين في الأناضول وغربي آسيا من الحثيين، وأن هذه البلدان هي لهم من أربعة آلاف سنة، وهم في هذا الكشف التاريخي الجديد يستندون إلى تخمينات بعض مؤرخين محدثين من أصحاب النظريات الجديدة في أوروبا ولكن شيئا من هذا لم يثبت.
وأكثر مؤرخي الأوروبيين يقولون إن أصل الحثيين من جهة الدم لم يتحقق بعد، وغاية ما تقرر - تاريخا - أنهم أخذوا مدنيتهم عن السومريين والأكادييين أهل بابل، وقلدوهم في الكتابة والديانة والشعائر الدينية، ومزجوها كلها بمدنيتهم وديانتهم، وتقرر أيضا عند بعض المؤرخين أن الحثيين هم كانوا الواسطة بين المدينة السامية والمدنية الإغريقية، ولا يزال تاريخ الحثيين هي هندية أوروبية أم قوقاسية؟ وغاية ما لحظوا أن فيها دخيلا من لغات أخرى.
أما الأكاديون من أهل بابل فإنهم ساميون بلا نزاع، ولغتهم سامية والأرجح أنهم جاءوا من جزيرة العرب مهد الساميين.
وأما السومريون فلا يعرف أصلهم وقصارى ما نرجح من أمرهم أنهم غير ساميين وأنه يوجد مدنية معاصرة لمدنيتهم في جهات بحر الخزر.
ولا يعلم أحد ما فائدة أتراك أنقرة من تعليم آراء تاريخية جديدة واهية لا تستند على قواعد متينة؟ وهل إذا كان ترك الأناضول آتيين من فرغانة وسمرقند وكاشغر من ألف سنة فقط يسقط حقهم بالأناضول؟ ولا بد من أن يثبتوا أن هذه البلاد بلادهم منذ آلاف من السنين حتى يستحقوها؟ كل هذا من جملة الغرائب التي ولدت مع الانقلاب الأنقري، انتهى ما كتبته في «حاضر العالم الإسلامي».
وجاء في الانسيكلوبيدية الإسلامية أن لفظة «ترك» هي محرفة عن لفظة «توكو» عند الصينين، وهو شعب ظهر في القرن السادس بعد المسيح، وأسس ملكا طويلا عريضا امتد من بلاد المغول وشمالي الصين إلى البحر الأسود، وكان أصحاب هذا الملك من القبائل الرحالة، وكان مؤسس هذا الملك الكبير رجلا يقال له «تومان» عند الصينيين، و«ترك بومين» عند الأتراك، وقد مات سنة 552 للمسيح. وكان أكثر الفتوحات على يد خاقان الذي مات سنة 576، والصينيون يقولون لهؤلاء ترك الشمال والغرب وكانوا قد انفصلوا عن ترك الشرق، وفي القرن السابع للمسيح خضع الترك جميعا الشرقيون والغربيون لسلالة تانغ الصينية، ولكن ترك الشمال عادوا فاستقلوا في سنة 682 للمسيح، وفي مدة هذه الدولة التركية الغربية وجدت الكتابة المسماة بكتابة أورخون نسبة إلى نهر في بلاد المغول يقال له «أورخون»، وهي أقدم كتابة تركية، واشتهر في قبائل الترك الغربية قبيلة ترغش وحاز أمراؤها لقب «خان» في أواخر القرن السابع المسيحي، وفي ذلك الوقت جاء العرب فقضوا على ملك الترغش هؤلاء في زمان نصر بن سيار سنة 121 للهجرة. ا.ه كلام الانسيكلوبيدية.
قلت: في زمان هشام بن عبد الملك تولى نصر بن سيار بلاد طخارستان، فغزا «أشروسنة » وذلك في أيام الخليفة مروان بن محمد الأموي، وقد كان مضاء العرب في فتح خراسان وما وراء النهر من أبدع ما جاء في التواريخ، ومما يدل على أن العرب إذا أستقام أمرهم لم يقف في وجههم قبيل فإن الترك الذين تغلب العرب عليهم مشهورون بشدة البأس وقوة المراس وقد حشدوا للعرب من كل حدب، فما نالوا منهم نيلا، وتغلب العرب عليهم في أوساط بلادهم وأثخنوا فيهم، ولم يكفوا عنهم حتى دخلوا في الإسلام، فكان الإسلام هو الذي أنجاهم في الدنيا فضلا عن الآخرة.
نامعلوم صفحہ