تأليف
الأمير شكيب أرسلان
مقدمة
ابن خلدون أمة وحده
بقلم شكيب أرسلان
جنيف 26 شعبان المعظم 1355
الأمير شكيب أرسلان
لم نعلم أحدا من العلماء والفلاسفة قبل ابن خلدون أفرد بالتأليف علم طبيعة العمران وما يسمى اليوم بعلم الاجتماع، برغم أن هذا العلم لم يكن من الأسرار الخفية ولا من المباحث التي لا تجول فيها أفكار الحكماء. وقد ثبت أن الفلاسفة قبل ابن خلدون لحظوا هذا العلم وأشاروا إليه في تضاعيف مباحثهم، ولكنهم لم يبلغوا فيه شيئا من الإحاطة التي بلغها ابن خلدون، ولا استقصوا فيه ذلك الاستقصاء الذي جعله في هذا الموضوع نسيج وحده، حتى ألقي إليه فيه بمقاليد الرئاسة، فهو واضع علم الاجتماع بالإجماع، وهو الذي لم يدع منه غفلا غير معلم، ولا وشيا غير منمنم.
قال البارون المستشرق «كارادوفو
Carra de Vaux » صاحب كتاب «مفكري الإسلام» في الجزء الأول من تأليفه هذا: أنجبت أفريقيا الإسلامية اجتماعيا من الطبقة الأولى في شخص ابن خلدون الذي لم يعرف من قبله علم أوتي تصورا عن فلسفة التاريخ أصح ولا أجلى من تصوره، فإن أحوال الأمم الروحية والأسباب الطارئة عليها القاضية بتغييرها، وكيفية تأسيس الدول، وما تدخل فيه من الأطوار وتنوع المدنيات وعوامل نموها أو تقلصها، كل ذلك كان من المباحث التي خاض فيها إلى أقصى ما يمكن الخوض فيه، وذلك في مقدمته المشهورة “Prolegomenes”
نامعلوم صفحہ