تاریخ حرب بلقان اول
تاريخ حرب البلقان الأولى: بين الدولة العلية والاتحاد البلقاني المؤلف من البلغار والصرب واليونان والجبل الأسود
اصناف
وما تصرمت أيام قليلة حتى مرض دولة البرنس بالدونسطاريا لشدة ما قاساه من شظف العيش والتعب المضني، فسافر إلى الأستانة فأوروبا فمصر للاستشفاء.
الحرب الثانية بين البلقانيين أنفسهم
أسباب نشوبها
ما أغمدت بلغاريا حسامها بعد لوله بورغاز وجتالجه وأدرنه حتى طغت وبغت وجاشت المطامع الآكلة في صدرها، وساد الحزب العسكري في عاصمتها، فضربت الكبرياء على مقلتيه غشاوة كثيفة من الغرور حتى أصبحت كل أقواله وأفعاله تدل على اعتقاده أن جيوش الصرب واليونان والجبل الأسود لم تعمل عملا مذكورا في الحرب الطاحنة التي قامت بين الجيش العثماني والجيوش البلقانية، مع أن الناقدين الحربيين أجمعوا على أن معركة كومانوفو كان أثرها في الجيش العثماني الغربي شبيها بأثر معركة لوله بورغاز في الجيش العثماني الشرقي، كما أجمعوا على أن السيادة البحرية التي كانت للأسطول اليوناني ألحقت بالدولة العلية من الأضرار ما يعادل تأثير إحدى المعارك الكبرى التي ساء فيها طالع العثمانيين؛ لأن هذا الأسطول حال دون إرسال ألوف كثيرة من الجنود السورية وغيرها إلى عاصمة الدولة في إبان الحرب، كما شرحنا في فصل سابق.
لكن البلغاريين لم ينظروا إلى ذاك كله بل أخذوا يطلبون قسمة ضئزى تهضم حقوق الصربيين واليونانيين معا، وأول ما طلبوه أن لا يعدل شيء في الاتفاق المتعلق بتقسيم الأراضي بينهم وبين الصرب؛ رجاء أن يكون وادي واردار ومناستر داخلين في حصتهم، فأنكر عليهم الصربيون هذا الطمع وقالوا في اعتراضهم عليه ما جوهره: «إن الاتفاق عقد بين حكومتي البلغار والصرب قبل الحرب، وقد تضمن أن بلغاريا لا تنكص عن إرسال قوة كبيرة من جيشها لتأييد الجيش الصربي إذا هدده خطر داهم من جانب النمسا، والواقع الذي قضت به الظروف أن الصرب هي التي أرسلت خمسين ألف جندي من صفوة رجالها لمساعدة البلغاريين على فتح أدرنه، بدلا من أن تتلقى النجدات يوم اسود وجه السياسة بين الصرب والنمسا، وهناك حجة أخرى لا تبقي وجها وجيها لإصرار البلغار على ذاك الاتفاق، وهو أن حكومتي صوفيا وبلغراد لم تتوقعا يوم كتابة شروطه أن الدول العظمى ستجعل ألبانيا إمارة مستقلة، وستجبر الصربيين على تركها، وستحرمهم من ثغر حربي على الأدرياتيك كما فعلت إجابة لطلب النمسا. فلو كان في استطاعة الصرب أن تضم إليها جميع البلدان الألبانية التي فتحتها لما عارضت البلغار في إبقاء الاتفاق على حاله.»
غير أن البلغاريين أبوا أن ينزلوا عن طمعهم في مناستر وسائر ما طلبوه بحجة أن خسارتهم كانت أعظم من خسارة غيرهم، فأخذت العلاقات تتراخى يوما فيوما بينهم وبين البلغار، وصار كل فريق ينظر إلى الآخر بعين حمراء من الغيظ والحقد.
وكان البلغاريون يصرون من جهة أخرى على طلب سلانيك، ويدعون دخولها قبل اليونان ويتقاضون معها قوله وأراض أخرى من البلدان التي يعدها اليونان مهد وطنيتهم من سالف الزمان، وصرنا نسمع بين حين وآخر أنباء مناوشات بين الجنود اليونانية والجنود البلغارية على الحدود الوقتية التي عينها الفريقان بعد الحرب الأولى ، وحدث أن الجنود البلغارية اجتازت غير مرة شقة حرام كانت بين الجيشين هناك، فأوغر البلغار صدور اليونانيين كما أوغروا صدور الصربيين عليهم، إلا أن اليونانيين كانوا يفضلون التحكيم السياسي على تحكيم السيف؛ لأن الأخبار التي وردت أولا عليهم كانت تدل على أن الجيش البلغاري قوي هائل، كما روى ولي عهد اليونان لمراسل التان الحربي.
ولكن تهديد البلغار لليونان صار يشتد يوما فيوما حتى اقتنعت الحكومة اليونانية والحكومة الصربية بأن الاحتراس والاحتياط واجبان، فعقدتا محالفة حربية في شهر مايو سنة 1913، وأصدرتا الأوامر إلى جيوشهما بالوقوف على قدم الحذر والأهبة.
وكانت الدول ولا سيما روسيا تحاول في خلال تلك الظروف أن تمنع نشوب الحرب بين الحلفاء، وتحضهم على قبول التحكيم، فوافقوا على الرضا به كقاعدة، ولكن بلغاريا أبت إلا أن يكون الاتفاق السابق بينها وبين الصرب أساسا للتحكيم، وطلبت حكومة الصرب أساسا آخر له، ولما رأى قيصر الروس هذا التراوح بين الصقالبة، ورأى من وجه أخص أن بلغاريا التي أظهرت إبان الحرب الأولى أنها تحترم إرادة روسيا أخذت تتذبذب وتجنح إلى النمسا، ظهرت دلائل الغضب على روسيا من أقوالها الرسمية والشبيهة بالرسمية، وأرسل القيصر إلى ملكي الصرب والبلغار كتابا قال فيه:
لما بلغني أن رؤساء حكومات البلقان سيجتمعون في سلانيك وأنه يمكن اجتماعهم أيضا في بطرسبرج لحل المشاكل بين دولهم، فرحت فرحا شديدا لأني حسبت هذا المسعى دليلا على رغبة الأمم البلقانية في الاتفاق على وجه حبي، وتوثيق روابط التحالف الذي أسفر حتى اليوم عن أجمل النتائج.
نامعلوم صفحہ