تاريخ الفنون وأشهر الصور

سلامة موسى d. 1377 AH
43

تاريخ الفنون وأشهر الصور

تاريخ الفنون وأشهر الصور

اصناف

ويعد «البارون جروس» من تلاميذ دافيد. ولكن هذه التلميذة كانت شؤما عليه، وكانت سببا لانتحاره. وقد ولد سنة 1771 وتوفي سنة 1835. ودخل مرسم دافيد سنة 1785 وما زال يمارس الرسم عنده حتى أشبع بطريقته وحبه للقدماء. وسافر إلى إيطاليا ونزل في جنوه، وهناك عرف جوزفين التي صارت بعد ذلك إمبراطورة فرنسا فقدمته لنابليون الذي أحبه وأذن له برسمه في الصورة المعروفة باسم «نابليون في اركول».

وقد كان يمكنه أن يكون زعيم نهضة في الرسم لو لم يتأثر بالنزعة إلى القدماء التي غرسها فيه دافيد. فقد بقي طول حياته تصطرع في نفسه نزعتان: إحداهما تنزع به إلى رومية وأثينا، والأخرى تنزع به إلى ما يسمى الحركة الرومانية.

وهذه الحركة الرومانية شاعت في الأدب والفنون منذ أواخر القرن الثامن عشر إلى منتصف القرن التاسع عشر. وكانت ترمي في الفنون إلى مخاطبة العواطف بدلا من مخاطبة الذهن، ولكنها كانت في الأدب ترمي إلى النزوع نحو القرون الوسطى.

وقد درس «جروس» روبنز وفانديك وتأثر بهما من حيث المبالغة في الألوان. ورأى الحرب بنفسه. إذ حوصر وهو في جنوده بالجيوش الفرنسية. فقاده ذلك من حيث لا يدري إلى أن يخرج على أستاذه دافيد. وفي سنة 1804 عرض صورته «المرضى بالطاعون في يافا» في باريس، فأثارت الحماسة في نفوس الشبان المشتغلين بالرسم حتى جللوها بالزهر.

ولما سقط نابليون وأعيدت أسرة نابليون البوربون إلى العرش بقي «جروس» آمنا، بل أنعم عليه الملك بلقب بارون. وكان دافيد في ذلك الوقت ينعي على تلميذه تركه للقدماء وإضاعة وقته في رسم الأشياء الحاضرة، ويهيب به إلى أن يعود إلى رسم الصور التاريخية، وهو يعني بذلك تاريخ رومية وأثينا. وكان «جروس» يتهم نفسه بخيانة المبادئ التي وضعها أستاذه. ولما مات دافيد أراد «جروس» على سبيل الشكران له أن يرسم صورا قديمة فرسم «هرقل وديوميد». ولكنها عند عرضها لم تنل سوى استهزاء الرسامين الجدد الذين شرعوا يدركون من الحركة الرومانية معاني أسمى من الدعوة إلى رسم الموضوعات القديمة. وفي سنة 1835 انتحر «جروس» بأن أغرق نفسه بعد أن يئس من صد تيار الحركة الرومانية الجديدة.

ولكن زعامة الدعوة إلى القديم كانت في يد «أنجر» أشد غرضا وأقوى سبيلا مما كانت في يد جروس. وقد ولد سنة 1780 ومات سنة 1867. وسافر إلى رومية سنة 1806 وبقي هناك 18 سنة «يرسم ليتعلم ويصنع الصور ليعيش». وكان أحسن القديم عنده ما سبق النهضة الإيطالية، فهو لم يكن يميل إلى رومية والإغريق بمقدار ما كان يميل إلى أولئك الرسامين البدائيين في إيطاليا.

ولما عاد إلى فرنسا وجد نفسه زعيما للدعوة إلى القديم. وثم اختلاف بين دافيد وبينه، فالأول كان يدعو إلى اتخاذ الموضوع القديم، أما «أنجر» فكان لا يبالي بأي موضوع يرسمه. ولكن المهم عنده أن يرسم على الطريقة القديمة، وليس شك في أنه انتفع بهذه الفكرة، وخصوصا عندما كان يرسم الجسم الإنساني العاري. وأحسن ما خلفه من الصور هو «العين»، وهذه الصور تحفة ثمينة تمثل فتاة عارية قد وقفت وعلى كتفها دن أو جرة لتستقي من العين. وقد شرع في رسمها سنة 1824، ولكنه تركها، ثم عاد إليها فأتممها سنة 1856. فجمع بين خيال الشاب وصنعة الشيخ الخبير. ومن أحسن رسومه أيضا صورة «جان دارك» الفتاة الريفية التي قادت الجيش الفرنسي وطردت الإنجليز من فرنسا ثم أحرقت بالنار بتهمة الهرطقة.

ومن أغرب ما يذكر عن تأثير الثورة الفرنسية أن الرجل الذي تأثر بها ونزع نزعتها لم يكن فرنسيا بل إسبانيا، وهو «جويا» الذي ولد سنة 1746 ومات سنة 1828. فقد قضى عمره يدعو بريشته إلى الثورة، فيهزئ الملوكية والكهانة والدين والمجد الحربي. وكانت إسبانيا ترزح تحت أسرة البوربون كما كانت فرنسا قبل الثورة، وكان البلاط الإسباني في غاية الانحطاط.

ونشأ «جويا» في أراغون، وكان أبوه فلاحا، ولكن الفتى أبدى ميله منذ صباه إلى الرسم. فأرسله أبوه إلى مرسم أحد الرسامين في سراقسة، وانتقل إلى مدريد وتصعلك بتعرفه إلى الفئات المنحطة وكان يطارد من مكان إلى آخر، وأخيرا تزوج بأخت أحد الرسامين المعروفين في البلاد، فاتصل بالملك شارل الثالث ورسمه وصلحت حاله بعد ذلك، وكان يرسم أشخاص الطبقة العالية وكأنه يريد أن يفضحهم، فالأصباغ واضحة في الوجنتين، والكحل والتزجيج ظاهران، ولكن إسبانيا كانت من الانحطاط بحيث لم تكن مثل هذه الأعمال مما تلام عليها امرأة.

ومن أحسن ما رسمه صورة الدوقة الفا التي سماها «الماجة العارية»، ويقال إنه نوى أن يرسمها في الأصل عارية، ولكن زوجها فاجأه فرسم عليها ثيابا رقيقة لئلا يشك الدوق في أمانة زوجته، ثم أعطى الصورة الكاسية للدوق وصنع صورة أخرى عارية استبقاها لنفسه.

نامعلوم صفحہ