رابعا:
أنه أرشد قبل إسلامه حتى لم يبق لدواعي الهوى في نفسية من نصيب.
خامسا:
أنه بقي عهدا يتراوح بين عقيدتي الإسلام والنصرانية، وأنه ما من سبب رجح عنده كفة الإسلام إلا اشتغاله بآداب العرب ومعاشرته للمسلمين، وتمكنه من أسباب اللغة العربية التي هي لغة القرآن، نواة الإسلام الحية الباقية على الدهور.
لا تجد في شعر مهيار من صفة ظاهرة جلية تعبر عما استحالت إليه نفسه من الصور إلا صفة النواح على الدهر وعلى صروفه، ونظره في الحياة نظر الزاهد فيها الكاره لها، غير أن زهده في الحياة غير مشوب بشيء من التشاؤم، فلا هو من طابع أبي العلاء، ولا هو من صفاء الخيام، بل هو في زهده عن الحياة وبعده عن الصورة المألوفة لشعراء عصره نسيج وحده.
والظاهر أن الدهر قد نال من مهيار بما ينال به من النبغاء ذوي العبقرية، إذا هو ناء عليهم بخصاصة أو عضهم بناب من الفقر أو خصهم بسوء الحظ، وسد في وجوههم كل باب فتح لغيرهم من أمثالهم، ولكثير ممن هم أقل منهم في الأدب قدرا وأحط منهم في العلم مكانة، ولهذا تراه في شكواه من الزمان ومن أهله مثال الصبر والشجاعة، ومثال الأمل الحي الذي تفيض به الأنفس الكبيرة التي لا تعرف من اليأس إلا اسمه، وكثيرا ما يبقى أملهم حيا بين جنوبهم حتى يطوى مع أبدانهم في أكفان الأبدية، لهذا نجتزئ ببضعة قطع من شعره تدلك على حقيقة نفسه، وعلى أمله العريض في الحياة، قال:
فما بالي أرى الأيام تنحى
علي مع المشيب وهن شيب
عذيري من سحيل الود يحوي
حقيبة رحله فرس نجيب
نامعلوم صفحہ