تاريخ دولة آل سلجوق
تاريخ دولة آل سلجوق
اصناف
قال: فانتهى إلى هذا السلطان العادل، الكامل الشامل، المحبوب الشمائل أن أمر ابن أخيه محمود غير محمود، وأن ملكه إن لم يتلاف مؤد إلى التلاف مؤود. فصوب رايته صوب الري، ونشر لواءه ليعيد اللأواء إلى الطي. وكان كالشمس أضاءت من مشرقها وأنارت من أفقها. فلما أطل عسكره على العراق. وسد عثيره 1جوانب الآفاق برز السلطان محمود سراقه، وعرض فيالقه ولم يغب أحد في تلك النوبة من العساكر. وتلاطمت أمواج بحارها الزواخر. وكان مقدمي عسكر السلطان الأميران الأصفهسلاران على بار ومنكوبرس، وبينهما تباين وتضاد وتضاغن. فلا جرم، لاختلاف رأيهما، واختلاط أهوائهما، لم يستقم تدبير ولم يتدبر تقويم، ولم يتضح في المصلحة تأخير ولا تقديم. ودرج الوزير الربيب في تلك الأيام، وسكن في حمى الحمام.
وتولى الوزارة كمال الملك أبو الحسن علي بن أحمد السميرمي، وذلك في سنة 512 ه، وذلك قبل المصاف بين السلطانين بثلاثة أيام وجرى أمره على نظام، في غير وقت انتظام. وكان العسكران مشغولين بالتعبية. فلما التقى الجمعان، واختلط النقعان انهزم عسكر محمود وكسر جيشه، وانكسر جأشه. ولما ضل عن النار فراشه، ظل كأنما على النار فراشه. وقتل في المعركة جماعة مبرءون، وسلم المجرمون فلما أصبح السلطان سنجر، سأل عن ولد أخيه، ولم يحمد ما كان من تأخره عن حضرته وتراخيه. فأرسل إليه رسولا لقبض زعره، وبسط عذره، وإنه يؤثر حفظه في قلبه، والأنس بقربه وتنفيس كربه. وإنه يتدارك ما فرط بالتلافي، وإنه يتم التقصي عن عهدة تلك الهنات بالتصافي. فاستخر الله ولا تستأخر، واستأثر لقاء من على لقائك لم يستأثر.
وكان أحاط أولئك المذمومون بالسلطان محمود لا يهدونه إلى الصواب ولا يصوبونه إلى الهدى. ويصدون عنه ري الري، ولا يروون منه الصدى. وكان قد سبق أبو القاسم الدركزيني صاحب الأمير علي بار الأعظمي، فحضر لإصلاح أمر صاحبه، وأحضر قدرا من المال الذي اختزله من الخزانة السلطانية فنثره وبذره. وقدم الرشى حتى أمن ما حذره. وأراد أن يكون هو المتوسط في الصلح والصلاح. والمتحدث في الإنجاز والإنجاح. وكان السلطان يؤثر أن لا يطول مقامه فتثقل وطأته، وتكثر مضرته.
ولم ير أن يترك البيت متداعي البنيان غير معمود. ويريد الانصراف راشدا وقد طالت عليه غيبة محمود. وما صدق بحضور الدركزيني على بابه، وظن أنه قد حصل من النجح على لبابه. فأمر بإحضاره، فلما بصر به قال: "أين علي بار، فإنه لأمر ولدي ضمين"فتلا"أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين"قال"فأين ولدي"قال"أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك، وإنه يسعه عطفك وعرفك".
صفحہ 266