وتوفى محمود بن سبكتكين وهو كاره لأمرهم، مشفق من وميض جمرهم، مستشف ستر القضاء في قضية شرهم. وعد أبو سهل الصعب فيهم سهلا، واتخذهم لارتفاقه بهم صحبا وأهلا. ونفذ مسعود بن محمود بن سبكتكين عسكرا من غزنة إلى خراسان، فواقعهم وقتل منهم عدة، وأسر منهم جماعة، حملهم إلى غزنة، منهم بيغو أرسلان، فاستعطفوه فلم يعطف، واستعفوه فلم يعف. ولما غلق رهنهم وتوثق سجنهم، شربوا كأس اليأس، وأبدلوا إيناس الناس بإيحاش الحاشية. ومشى شحنة طوس لاستياق ما لهم من الماشية، واستلان خشونتهم، واستسهل صعوبتهم، ولما ظن أنه آب بالغنم والغنيمة، وباء بعز العزيمة، ركبوا إليه صهوات الحنق، وصرفوا نحوه أعنة الخبب والعنق. حتى لقوه فتركوه لقى، وتبعوا المنهزمين ودخلوا إلى طوس فملكوها، وجاسوا خلال ديارها وسلكوها، وتشاوروا فيما بينهم وقالوا: هذا بحر خضناه، وفتح ابتكرناه، وطوس مدينتنا التي تؤوينا، وحصننا الذي يحمينا، فلا نفرج عنها، ولا نخرج منها.
وشرع أبو سهل الحمدوني في استدراك ما فرط، واستمساك ما اختبط. وكادوا يجيبونه بالجمل ويحملون في الجواب، ويميلون بممالأته إلى صوب الصواب. فتسرع شحنة نيسابور وتعسر، وجند وعسكر. وشن على سرحهم غارة على غرة، ونهض لمنفعة نهضت بمضرة. فركبت السلجقية إليه وإلى جماعته أرسالا، ونشبوا معهم وشبوا قتالا، وهزموهم وكسروهم وقتلوهم وأسروهم. وامتدوا إلى نيسابور فدخلوها، ووجدوا في خلوها فرصة فاهتبلوها. وذلك في شهر رمضان سنة 429 ه. وعزموا على مد اليد، ونهب البلد. فمنعهم طغرلبك محمد بن ميكائيل بن سلجق وهو أميرهم وكبيرهم، وقال لهم نحن في شهر حرام نهتك حرمته، ولا نهتك عصمته، ولا يحصل من النهب أرب، وإنما تسوء به السمعة ويشيع الشنعة. فنفرت جماعته من مقاله وسخفوا رأيه في تبين حرام الفعل وحلاله. فما زال بهم طغرلبك يقول لهم: أمهلوا بقية هذا الشهر، واعملوا ما شئتم بعد الفطر. وفي أثناء ذلك وصل إليهم كتاب القائم بأمر الله أمير المؤمنين، يخوفهم ويذكرهم بالله، ويحملهم على رعاية عباده وعمارة بلاده، فخلعوا على الرسول المعروف بأبي بكر الطوسي ثلاث عشرة خلعة. وتباهوا برسالة الخليفة وازدادوا بها قوة ورفعة.
صفحہ 185