قال: وصلب البساسيري رئيس الرؤساء وأبا محمد بن المأمون رسول الخليفة في استدعاء السلطان طغرلبك وقتل أصحاب قريش بن بدران عبد الرزاق أبا نصر أحمد ابن علي واختل نظام الإسلام، واعتلت دار السلام، وطالت غربة الإمام، وهالت كربة الأنام. إلى أن استنجد السلطان أولاد أخيه ألب أرسلان وياقوتي وقاورد بني داود وهو بالري، فأنجدوه وأسعفوه وأسعدوه، فخرج بهم إلى إبراهيم بن ينال بهفتان بولان فكسره، ثم وجده وقد وقف به فرسه فأسره، وخنقه بوتر لوتره، وحنقه، واستراح من حث زميله إليه عميد الملك وجهز هزارسب جهاز مثله، وأفضل عليه لفضله. ولم يبق لطغرلبك بعدها سوى رد الخليفة إلى داره، وإظهار قمره من سراره. ورحل نحو بغداد فأحس البساسيري بريحه، وأيقن بتياره ووقع في تباريحه. ولما قربت العساكر السلجقية من بغداد بعد، وقامت قيامته وما قعد، وكان الخليفة بحديثة عانة فطلبه قريش بن بدران من ابن عمه مهارش بن مجلي فحماه، وما أباح حماه.
قال: وخرج مهارش بالخليفة إلى تلعفر، فقصد بدر بن مهلهل ومعه الفقيه ابن فورك وقد تيمن به وتبرك، وهناك فاز من وحد، وهلك من أشرك. ولما وصل السلطان إلى بغداد سير إلى الخليفة عظماء مملكته، وصدر وزارته عميد الملك وأنوشروان ابن خاتون ومعهم المهد والسرادق، والخيل السوابق. ولما مثلوا بالحضرة الشريفة، وشاهدوا أحوال الخليفة، أراد عميد الملك أن يكتب إلى السلطان كتابا بشرح الحال، وبوصف ما اجتلاه من المهابة والجلال. ولم يكن بين يدي الخليفة دواة، ولا أداة للكتابة مسواة.
فأحضر من خيمته دواة عليها من الذهب ألف وسبعمائة مثقال وأضاف إليها سيفا ذا فرند وصقال، وقال: هذه خدمة محمد بن منصور أصغر الخدم، وقد جمع في هذه الدولة بين السيف والقلم. وأحسن الخليفة قبوله وخطابه، وتوج بخطه الشريف كتابه.
ولما وصل الخليفة إلى النهروان، وصل إليه السلطان، وتباشرت بقدومه الأوطار والأوطان، واستأذنه عميد الملك في حضور السلطان، فأذن ودخل، وقبل الأرض سبع مرات، وأتى من أدب الخدمة الممكن. وقدم له الخليفة مخدة من دسته وقال: اجلس.
فقبلها وجلس، وآنسه فأنس. وجعل عميد الملك يفسر لهما ويترجم، ويعرب ويعجم.
صفحہ 192