تاریخ علم ادب
تاريخ علم الأدب: عند الإفرنج والعرب وفكتور هوكو
اصناف
ولما مات بيبن سنة 768م وسنة 151ه جلس مكانه على كرسي ملك الإفرنج ابنه شارلمان (سنة 742-814م)، ومعناه شارل الكبير فنسبت إليه السلالة الثانية من سلالات ملوك الإفرنج، وقيل لها: «قارلو فينجيان» أي آل قارلو؛ لأن اسم شارل يلفظ بصور مختلفة حسب اللغات واللهجات، فالألمان يلفظونه قارل وعند الإسبانيول قارلوس، وعند الإنكليز چارلس بالجيم الفارسية، ففتح شارلمان ممالك لومبارديه وعاصمتها ميلان، وهي القسم الشمالي من إيطاليا، وكان بين ملوكها وبين باباوات رومة ضغائن وعداوة؛ فامتن البابا من ذلك وبارك شارلمان ورضي عنه، ثم فتح بافاريه وصاقسونيا، وهما من ممالك ألمانيا وأخضع أيالة أكيتانيا التي كانت ميدانا ترمح فيه غزاة المسلمين، فجمع شارلمان في حكمه بين فرنسا، وألمانيا، وإيطاليا ومزج الأقوام الجرمانية بالأقوام الرومانية، وهم الذين كانوا في حكم دولة الرومان.
ولما تولى شارلمان كان مشتركا في الملك مع أخيه اتباعا للقواعد المرعية في ذاك الزمان، وهي تقسيم الملك بين الأولاد، ففي سنة 771م استقل بالملك وجعل عاصمته إكس لاشابل، وهي على نهر الرين في ألمانيا وزينها بالمباني والقصور؛ ولذا يعتبره الألمانيون في عداد ملوكهم كما يعتبره الفرنساويون، وفي سنة 778م، وسنة 162ه تجاوز شارلمان بعساكره جبال البيرينة من ممر رونسيفو الذي مر منه عبد الرحمن حينما فتح بوردو وبوانيه وتور، ومر منه قبلا هنيبال القائد القرطاجني حينما قهر الرومانيين، وهو ممر صعب في جبال البيرينة قريب من البحر المحيط؛ ولذا لم يرجع العرب منه بل كانوا يتجاوزن على فرنسا من جهة البحر الشامي عن طريق «بويسيردا» و«نربون»، فضبط شارلمان ولاية نافار وولاية قطولونيا وتقدم على ضفاف أيبر حتى بلغ مدينة سرقسطة مركز ولاية أراغون وألقى الحصار عليها، وكانت بيد المسلمين، فبعث إليه عبد الرحمن الأول سنة 113-171ه (731-787م) الملقب بالعادل، بجيش منظم طرد عساكر شارلمان من إسبانيا وأرجعها إلى ما وراء البيرينة، وكان المسيحيون من النفاريين والواسكون؛ أي الباسك متفقين مع المسلمين حبا في العدل الإسلامي، وكرها في ظلم شارلمان لوطئه بالعسكر بلادهم وقتله رجالهم وأولادهم؛ ولذا رجحوا الاتفاق مع المسلمين مع أنهم على غير دينهم، وانتقموا من شارلمان وجنوده وهو يدين بما هم يدينون به.
والدين إنصافك الأقوام كلهم
وأي دين لآبي الحق إن وجبا
والمرء يعيبه قود النفس مصحبة
للخير وهو يقود العسكر اللجبا
فلما ارتدت جنود شارلمان على عقبها خاسرة اغتنم أهالي نافارا وغسكونيا المسيحيون هذه الفرصة، وانقضوا عليهم وهم في ممر رونسيفيو وأبادوهم عن آخرهم، وقتل في هذه المعركة رولان قائد الجنود البريطانية نسبة إلى أيالة بريطانيا في غرب فرنسا ورفيقه أوليفيه، ونظمت في هذه الواقعة أغاني رولان الآتي ذكرها، وهي عند الفرنساويين كقصة عنتر عندنا لا بل كقصة بني هلال أو الزير، واسترد عبد الرحمن العادل، وهو المعروف بالداخل ولاية أراغون وقطالونية واسترد ابنه هشام (140-180ه) مدينة جيرونية ونربون وجميع أيالة سبتمانيا سنة 792م (سنة 176ه)، واستخدم الأسرى في بناء جامع قرطبة، وكان أبوه قد باشر عمارته، فنصب شارلمان ابنه لويس ملكا على أكيتانيا وأمره بمحاربة العرب، فكانت بينهما حروب على سفح جبال البيرينة من سنة 180ه (796م)، وهي السنة التي توفي بها هشام، وجلس فيها ابنه الحكم خلفا له وخرج عليه عماه سليمان، وعبد الله ابنا عبد الرحمن وتحاربوا مدة، وكان النصر للحكم على عميه ودامت الحروب مع الإفرنج إلى سنة 197ه (812م)، وأخذ الإفرنج في هذه الحروب ولاية نافارا وسبتمانيا وجزءا من قطالونيا، وهو المشتمل على مدينة برشلونة التي على ساحل البحر الشامي، فشارلمان لم يتمكن من إسبانيا، ولكن حكمه كان نافذا في عموم أوروبا الغربية، وكان البابا وعموم الكهنة يميلون إليه ويرغبون في إعادة نفوذ إمبراطورية الرومان الغربية؛ ليضاهوا بذلك الإمبراطورية الشرقية القائم بها قياصرة الروم، ويحصلوا على العز الذي حصل عليه بطاركة القسطنطينية وكهنتها المنشقون؛ ولذا دهن البابا شارلمان بالزيت المقدس، وألبسه تاج الإمبراطورية في آخر القرن الثامن؛ أي سنة 800م (سنة 184ه).
وكانت الخلافة العباسية في بغداد بلغت منتهى العز وأوج الرفعة على عهد الرشيد، فأخذ شارلمان يتقرب منه، وبعث إليه بسفارة مؤلفة من سفيرين فرنساويين يصحبهما يهودي اسمه إسحق، وكان الخليفة يحارب قيصر الروم فرأى من السياسة التمايل إلى الإفرنج أعداء الأمويين، فأحسن ضيافة الوفد الإفرنجي وأكرم مثواه وأجاب طلبه بالرخصة لحجاجهم في زيارة بيت المقدس، وبعث إلى شارلمان بهدية فاخرة منها سرادق كبير من الحرير، وساعة دقاقة، وشطرنج لم يزل بعض أحجاره محفوظة في المكتبة الأهلية بباريس، وهي من العاج دقيقة الصنعة والقطعة منها كبيرة الحجم، وكان ذلك قبل موت الرشيد بسنة؛ أي في سنة 192ه (807م)، وتوفي شارلمان بعد ذلك بسبع سنين؛ أي سنة 814م وجلس في مقامه ابنه لويس إلى سنة 840م، ثم انقسمت المملكة إلى ثلاثة أقسام ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا وضعف حال ملوك فرنسا وهجم عليهم الأقوام الشمالية الذين يسمونهم نورمان من بلاد أسوج، ونوروج، والدانيمارك وأسسوا في شمال فرنسا دوقية نورماندية، وانقسمت المملكة إلى دوقيات وكونتيات، وكان حكامها أشد نفوذا من الملك، وصارت السلالة الثانية من سلالات ملوك الإفرنج إلى ما صارت إليه السلالة الأولى، فاستبد بالأمر دوق فرنسا كما استبد قبله دوق أوستراسيا، وفعل هوغ قابت ما فعله ابن شارل مارتيل وأحدث السلالة الثالثة في مملكة الإفرنج، وهي سلالة قابتيان.
وملكت هذه السلالة الثالثة من سنة 987م إلى سنة 1428م، وفي زمنها ظهرت فرنسا للوجود، وسميت مملكة فرنسا نسبة إلى هوغ قابت دوق فرنسا وانتقل الملك بعد ذلك إلى فرع ثان من تلك السلالة، وهو المسمى فالوا ثم إلى فرع ثالث، وهو آل بوربون. (2) فتوح المسلمين في جنوب أوروبا والحروب الصليبية
ثم إن المسلمين عدلوا عن فتح فرنسا، ولعلهم فعلو ذلك لشدة البرد في الأقاليم الشمالية، وعدم توسع العمران فيها إذ ذاك، ولصعوبة المرور من جبال البيرينة وهي أشد بردا من جبال لبنان التي يقول فيها المتنبي:
نامعلوم صفحہ