تاریخ علم ادب
تاريخ علم الأدب: عند الإفرنج والعرب وفكتور هوكو
اصناف
لا تجد في صفتهم أنفسهم أبدع مما وصفهم به وقوله:
الأمر إليك
تعلم براعته بنفسه، وعجيب معناه، وموضع اتفاقه في هذا الكلام، وتمكن الفاصلة وملاءمته لما قبله، وذلك قوله:
فانظري ماذا تأمرين
ثم إلى هذا الاقتصار وإلى البيان مع الإيجاز، فإن الكلام قد يفسده الاختصار ويعميه التخفيف منه والإيجاز، وهذا مما يزيده الاختصار بسطا لتمكنه ووقوعه موقعه، ويتضمن الإيجاز منه تصرفا يتجاوز محله وموضعه.
وكم جئت إلى كلام مبسوط يضيق عن الأفهام، ووقعت على حديث طويل يقصر عما يراد به من التمام، ثم لو وقع على الأفهام ... فما يجب فيه من شروط الإحكام كله، أو بمعاني القصة وما تقتضي من الإعظام، ثم لو ظفرت بذلك كله رأيته ناقصا في وجه الحكمة، أو مدخلا في باب السياسة، أو مصفوفا في طريق السيادة، أو مشترك العبارات إن كان مستجود المعنى، أو جيد البلاغة مستجلب المعنى، أو مستجلب البلاغة جيد المعنى، أو مستنكر اللفظ وحشي العبارة، أو مستبهم الجانب مستكره الوضع، وأنت لا تجد في جميع ما تلونا عليك إلا ما إذا بسط أفاد، وإذا اختصر كمل في بابه وجاد ، وإذا سرح الحكيم في جوانبه طرف خاطره وبعث العليم في أطرافه عيون مباحثه لم يقع إلا على محاسن تتوالى وبدائع تترى، ثم فكر بعد ذلك في آية آية أو كلمة كلمة في قوله:
إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون
هذه الكلمات الثلاث كل واحدة منها كالنجم في علوه ونوره، وكالياقوت يتلألأ بين شذوره. ثم تأمل تمكن الفاصلة وهي الكلمة الثالثة، وحسن موقعها، وعجيب حكمها، وبارع معناها، وإن شرحت لك ما في كل آية طال عليك الأمر، ولكن بينت بما فسرت وقررت بما فصلت الوجه الذي سلكت فيه، والنحو الذي قصدت، والغرض الذي إليه رميت، والسمت الذي إليه دعوت، ثم فكر بعد ذلك في شيء أدلك عليه، وهو تعادل هذا النظم في الإعجاز في مواقع الآيات القصيرة، والطويلة والمتوسطة، فأجل الرأي في سورة سورة، وآية آية، وفاصلة فاصلة وتدبر الخواتم، والفواتح، والبوادي، والمقاطع، ومواضع الفصل والوصل، ومواضع التنقل والتحول، ثم اقض ما أنت قاض وإن طال عليك تأمل الجميع فاقتصر على سورة واحدة أو على بعض سور، ما رأيك في قوله:
إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين
هذه تشتمل على ست كلمات سناؤها وضياؤها على ما ترى، وسلاستها وماؤها على ما تشاهد، ورونقها على ما تعاين، وفصاحتها على ما تعرف، وهي تشتمل على جملة وتفصيل وتفسير ذكر العلو في الأرض ... إلخ.» ا.ه.
نامعلوم صفحہ