صلى الله عليه وسلم ، فإن الدين يقضي بعدم جواز تحريف في نصه الشريف. واختلف في جواز الاستشهاد بأحاديث السنة، فجوزه ابن مالك، ومنعه ابن الضائع وأبو حيان محتجين بأمرين؛ الأول: أن الأحاديث لم تنقل كما سمعت عنه عليه الصلاة والسلام؛ وإنما رويت بالمعنى. والثاني: أن أئمة النحو المتقدمين من البصرة والكوفة لم يحتجوا بشيء منها.
ورد الأول - على تقدير تسليمه - بأن النقل بالمعنى إنما كان في الصدر الأول قبل تدوين الأحاديث في الكتب، وقبل فساد اللغة، وغايته تبديل لفظ بلفظ يصح الاحتجاج به، فلا فرق. ورد الثاني بأنه لا يلزم من عدم استدلالهم بالحديث عدم صحة الاستدلال به، قال أبو الحسن بن الضائع في «شرح الجمل»: «تجويز الرواية بالمعنى هو السبب عندي في ترك الأئمة كسيبويه وغيره الاستشهاد على إثبات اللغة بالحديث، واعتمدوا في ذلك على القرآن وصريح النقل عن العرب، ولولا تصريح العلماء بجواز النقل بالمعنى في الحديث لكان الأولى في إثبات فصيح اللغة كلام النبي
صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه أفصح العرب.» وقال أبو حيان في «شرح التسهيل»: قد أكثر المصنف من الاستدلال بما وقع في الأحاديث على إثبات القواعد الكلية في لسان العرب، وما رأيت أحدا من المتقدمين والمتأخرين سلك هذه الطريقة غيره.
على أن الواضعين الأولين لعلم النحو المستقرئين الأحكام من لسان العرب كأبي عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر، والخليل، وسيبويه من أئمة البصريين، والكسائي، والفراء، وعلي بن المبارك الأحمر، وهشام الضرير من أئمة الكوفيين لم يفعلوا ذلك، وتبعهم على ذلك المسلك المتأخرون من الفريقين وغيرهم من نحاة الأقاليم كنحاة بغداد وأهل الأندلس. وقد جرى الكلام في ذلك مع بعض المتأخرين الأذكياء فقال: إنما ذكر العلماء ذلك لعدم وثوقهم أن ذلك لفظ الرسول
صلى الله عليه وسلم ؛ إذ لو وثقوا بذلك لجرى مجرى القرآن الكريم في إثبات القواعد الكلية، وإنما كان كذلك لأمرين؛ أحدهما: أن الرواة جوزوا النقل بالمعنى فتجد قصة واحدة قد جرت في زمنه
صلى الله عليه وسلم
لم يقل بتلك الألفاظ جميعا، نحو ما روي من قوله: زوجتكها بما معك من القرآن، ملكتكها بما معك من القرآن، خذها بما معك من القرآن، وغير ذلك من الألفاظ الواردة، فنعلم يقينا أنه
صلى الله عليه وسلم
لم يلفظ بجميع هذه الألفاظ، بل لا يجزم بأنه قال بعضها؛ إذ يحتمل بأنه قال لفظا مرادفا لهذه الألفاظ فاتت الرواة بالمرادف ولم تأت بلفظه، إذ المعنى هو المطلوب، ولا سيما تقادم السماع وعدم ضبطها بالكتابة والاتكال على الحفظ، والضابط منهم من ضبط المعنى، وأما من ضبط اللفظ فبعيد جدا، لا سيما في الأحاديث الطوال. وقد قال سفيان الثوري: «إن قلت لكم إني أحدثكم كما سمعت فلا تصدقوني، إنما هو المعنى.» ومن نظر في الحديث أدنى نظر علم العلم اليقين أنهم يروون بالمعنى.
الأمر الثاني: أنه وقع اللحن كثيرا فيما روي من الحديث؛ لأن كثيرا من الرواة كانوا غير عرب بالطبع ويتعلمون لسان العرب بصناعة النحو، فوقع اللحن في كلامهم وهم لا يعلمون، ودخل في كلامهم وروايتهم غير الفصيح من لسان العرب. ونعلم قطعا من غير شك أن رسول الله
نامعلوم صفحہ