تاريخ الآداب العربية
تاريخ الآداب العربية في القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين
ناشر
دار المشرق
ایڈیشن نمبر
الثالثة
پبلشر کا مقام
بيروت
اصناف
في خدمة الأمير إلى أن خرج الأمير بشير من بلاد سورية سنة ١٨٤٠ فسافر معه إلى مالطة ثم إلى الآستانة العلية ونال من الالتفات وعلو المقام لدى رجال الدولة ما لم يزل مشهورًا. ثم عين ترجمانًا للمابين الهمايوني فأظهر من البراعة ما أكسبه ثقة الجميع. وبقي في تميم أعباء وظيفته إلى سنة وفاته في الآستانة العلية (١٨٥١) وله مع أكابر رجالها مساجلات لطيفة وكان بليغ الكلام. وقد أرخ وفاته الشيخ ناصيف اليازجي فقال:
مضى من كان أذكى من أيلس ... بحكمتهِ وأشهر من زُهَيرِ
فقل يا ابن الكرامة قرَّ عينًا ... لبطرس أرّخوهُ ختام خير
ولبطرس كرامة مكاتبات ورسائل غير مطبوعة. وله ديوان شعر كبير طبعه الأديب سليم بك ناصيف سنة ١٨٩٨ في المطبعة الأدبية وقد وجدنا لهذا الشاعر آثار أخرى في بيت حفيده الفاضل. منها مساجلاته مع أدباء الآستانة ومنظوماته في العاصمة وبعضها لم يطبع في ديوانه. وشعر بطرس كرامة أضبط وأطبع من شعر آل عصره تراه يتصرف في المعاني ويخرجها على أبدع طريقة فمن قوله في الوصف ذكره لباقة زهر أهداه إياها الأمير بشير:
وباقةٍ زهر من ميلك منُحنها ... معطَّرة الأرواح مثل ثنائهِ
فأبيضُها يحكي جميع خصالهِ ... وأصفرها يحكي نضار عطائهِ
وأزرقها عين تشاهد فضلهُ ... وأحمرها يحكي دماء عدائهِ
وله تخميس وتشطير على هذه الأبيات. ومما لن نجده في ديوانه قصيدة قالها مستغفرًا غما فرط منه ومناقشًا أهل المادة في آرائهم الفاسدة وسماها (درَّة القريض وشفاء المريض) أولها:
نأي الوجد عن قلبي وأعيت بلابلُهْ ... وبانت لُبانات الهوى وبلابلُهْ
وهي طويلة تختار منها أحسن أبياتها:
ألا أنْدب زمانًا قد صرفت بكورهُ ... خلالًا وقد مرَّت سفاهًا أصائلُهْ
فكم خضت بحر المعصيات مُفاخرًا ... وقصَّرت رجلًا عن ثواب تقابلهْ
فيا من وعدت التائبين برحمةٍ ... وعفوٍ وإن ذنبٌ تطاول طائلهْ
ألا أغفر لعبد أثخنهُ مآثم ... ومن جملة الأوزار قد كلَّ كاهلهْ
فإن كان ذنبي قد تعاظم جرمهُ ... فعفوك بحرٌ ليس يُدرَكُ ساحلهْ
1 / 60