مقدّمة التحقيق
يعتبر تاريخ الانطاكي المعروف ب «صلة تاريخ أوتيخا»، من أهم المصادر التاريخية الأساسية في التراث العربي التي تؤرّخ لحقبة هامّة من تاريخ الإنسانية، في العالم الإسلامي بجناحيه المشرقي والمغربي على حدّ سواء، وفي تاريخ الإمبراطورية البيزنطية وعلاقاتها بالعالم الإسلامي من جهة، وببلاد البلغر والروس والكرج والأرمن، من جهة أخرى. ويتناول التاريخ مفصّلا في القرنين الرابع والخامس الهجريّين-العاشر والحادي عشر الميلاديّين، وبالتحديد بدءا من سنة ٣٢٦ هـ. / ٩٣٨ م. وانتهاء بسنة ٤٢٥ هـ. /١٠٣٥ م.
ولا أغالي إذا قلت إنّ هذا الكتاب هو مصدر أساسيّ لا غنى للباحثين عنه، خاصّة لمن أراد التأريخ للدولة الفاطمية في مصر والشام، ولمن أراد دراسة دولة بني حمدان وعلاقاتها بالروم، ولمن أراد أن يدرس أيام سيف الدولة وصراعه مع البيزنطيين، ولمن أراد أن يؤرّخ للحاكم بأمر الله بشكل خاصّ، ولمن أراد أن يدرس علاقات المسلمين والنصارى واليهود ببعضهم في القرنين الرابع والخامس الهجريين-العاشر والحادي عشر الميلاديّين، وقبيل ظهور الإرهاصات التي مهّدت لقيام الحركة الصليبية وقدوم الحملات الأوربية إلى المشرق العربي الإسلامي.
أهمّيّة الكتاب
وتأتي أهمّيّة هذا الكتاب كمصدر أساسيّ، كون مؤلّفه «يحيى بن سعيد الأنطاكي» المتوفى سنة ٤٥٨ هـ. /١٠٦٧ م. كان معاصرا للحقبة التي أرّخ لها
1 / 5
وعاش أحداثها عن كثب، ولمصداقيّته في عرضه للتاريخ، رغم أنه كان بطريركا على الإسكندرية، فلم يتعصّب، بل عرض الوقائع والأحداث كما جرت، وأظهر حياديّة في جميع ما دوّنه، وكان صادقا مع نفسه، أمينا على رسالة المؤرّخ المدقّق، وقد أكّد لنا ذلك، حين قام بتنقيح كتابه وتعديل مادّته أكثر من مرّة قبل أن تصلنا النسخة الأخيرة التي اعتمدها، وأثبت فيها الحقائق التاريخية التي ارتضاها.
وقد وضع الأنطاكيّ كتابه بناء على رغبة بعض أصحابه-كما يقول في مقدّمته-فانتهج النهج الذي سار عليه سلفه «سعيد بن البطريق» بطريرك الإسكندرية، وذكر أيام الملوك والخلفاء والوزراء والكتّاب والأمراء والقادة، وتواريخ وفياتهم، كما ذكر أسماء بطاركة الإسكندرية وبيت المقدس وأنطاكية والقسطنطينية، وأعمارهم، وبعد تأليفه للكتاب قام بتغييره وألّفه تأليفا جديدا، ثم انتقل من الإسكندرية إلى أنطاكية سنة ٤٠٥ هـ. /١٠١٦ م. فوقف فيها على مصادر جديدة لأخبار ندّت عنه من قبل، فقام بتنقيح كتابه وأجرى عليه تعديلا كبيرا، فحذف بعضه، وزاد عليه جديدا، حتى قرّ رأيه على ما صنّفه، ونبّه إلى نسخته الأخيرة المزيدة والمعدّلة، وأشار إلى عدم الاعتناء أو الاهتمام بالنسخ الأخرى التي سبق أن صنّفها، واستهلّ كتابه بوصل ما انقطع من كتاب سلفه «ابن البطريق» فبدأ بالفصل الأخير من كتابه المعروف ب «تاريخ أوتيخا»، معتمدا على آخر نسخه أيضا، والتي وصل فيها إلى خلافة الراضي العباسي سنة ٣٢٦ هـ. /٩٣٨ م.
مادّة الكتاب
والكتاب بحقّ، مصدر أساسيّ لكل من يدرس تاريخ الحقبة المعروفة بالعصر الوسيط، لغنى المادّة التاريخية التي يحتوي عليها، من جهة، ولاتّساع المساحة الجغرافية التي يغطّي أحداثها، فهو لا غنى عنه-كما أسلفت-في دراسة تاريخ الدولة الفاطمية، وأخبار الدولة العباسية، وأخبار الحمدانيين، والصراع بين المسلمين والبيزنطيين، وأخبار الصراع بين الأتراك السلاجقة، وبني بويه الدّيالمة، والعلاقات بين المسلمين والنصارى واليهود، وظهور الدعوة الدرزيّة، وعلاقات
1 / 6
المسلمين ببعضهم من سنّة وشيعة ودروز. وعلاقات النصارى ببعضهم أيضا، من ملكيّة ويعقوبية ونساطرة وغيرهم. وبين القبائل المشرقية والقبائل المغربية، والعرب والبربر، والروم والروس والكرج والبلغار والأرمن وغيرهم، وحركات القرامطة، وحركات أمراء القبائل والأعراب، وغزوات الأباطرة والقادة البيزنطيين إلى بلاد الشام، وحركات الثائرين والخارجين على الخلافة في المشرق والمغرب الإسلامي، وأخبار الدولة الإخشيدية وسقوطها، وأخبار النكبات الطبيعية من زلازل وسيول ورعود وبرق ووباء وغلاء، والمعلومات الكثيرة عن عادات وتقاليد النصارى في الاحتفالات بأعيادهم ومناسباتهم الدينية، وأخبار ملوك الروم ونزاعاتهم مع قادتهم أو أولياء عهدهم، وحروبهم مع جيرانهم، في الشمال والشرق والجنوب، والمؤامرات والدسائس التي كانت تحاك في العالم الإسلامي وعالم الروم وبلاد الغرب على السواء ضدّ الخلفاء والملوك والأباطرة، وغير ذلك من الكمّ الهائل الذي حشده المؤلّف بكل دقّة، وطول باع، مع التحليل والتعليق في مواضع عدّة، ممّا ينمّ عن حصافة في الرأي وحسن تفهّم للحقائق، وإحاطة شاملة بأحداث العصر ومجرياته. فضلا عن وقوفه بشكل مباشر على عدّة سجلاّت رسمية ومراسلات ملكية قام بإثبات نصوصها في مواضعها من الكتاب، مما يجعله مصدرا وثائقيا أيضا.
أما المساحة الجغرافية التي يغطّيها كتاب الأنطاكي، فتمتدّ من بلاد المغرب الأقصى حتى بلاد الروس وبلاد الخزر البلغار، لتشمل بلاد المغرب وإفريقية وبرقة ومصر وبلاد النوبة وبلاد الشام والحجاز والعراق وآسية الصغرى وأرمينية الكبرى وبلاد الكرج والبلغار والروس والروم، وجزر البحر المتوسط، صقلّية، وأقريطش، وقبرس.
طريقة المؤلّف وأسلوبه
أما طريقة المؤلّف في عرض الأحداث، فقد جهد في أن تكون أخباره متسلسلة متتابعة زمنيّا، ولكنّ هذه الطريقة كانت تفرض عليه أن يقطع السرد المتتابع لينتقل من أخبار دولة إلى أخرى ومن ولاية إلى إمارة أخرى، ومن كرسيّ
1 / 7
البطركيّة، إلى أخبار نكبات الطبيعة، وبهذا يحشد في السنة الواحدة أحداثا جرت في عدّة أماكن من عالم ذلك العصر، فينتقل من أقصى المغرب إلى أقصى العراق، ومن بلاد البلغر إلى بلاد النّوبة، وهذا يصبّ في اتّجاه التاريخ الحولي والتاريخ العالمي، فهو لا يفرد أخبار كل دولة، أو كل عهد لخليفة أو سلطان أو إمبراطور، على حدة، أي أنه لا يسير في تاريخه بشكل عمودي، بل يتناول التاريخ الأفقيّ للعالم، بحيث يرصد أحداث كل سنة، هنا وهناك وهنالك، على امتداد الرقعة الجغرافية الواسعة. ولكنّه يشذّ عن هذه القاعدة حين يضع تاريخا- عموديا-للدولة الفاطمية، فهو يؤرّخ لهذه الدولة منذ بداية الدعوة الفاطمية حتى إعلان الخلافة في المغرب، أي من سنة ٢٧٠ هـ. حتى وفاة الخليفة المهديّ سنة ٣٢٢ هـ. دون انقطاع.
وبرأينا، فإنّ الأنطاكيّ سمح لنفسه أن يشذّ عن منهجيّته التأريخية، لأحد أمرين، أو للأمرين التاليين معا، وهما:
أولا: إنّ الفترة التاريخية من سنة ٢٧٠ هـ، إلى سنة ٣٢٢ هـ. تعتبر خارج الإطار الزمني لمادّة الكتاب الأساسية، إذ اشترط المؤلّف على نفسه أن يكون كتابه متمّما لكتاب ابن البطريق الذي انتهى عند سنة ٣٢٦ هـ. /٩٣٨ م.
ثانيا: إنّ الأنطاكيّ، بحكم موطنه في مصر، ومعاصرته للدولة الفاطمية، رأى أن يؤرّخ لبداية الدعوة الفاطمية حتى قيام الدولة وإعلان الخلافة، ممهّدا لأخبار الفاطميّين ودخولهم مصر واتّخاذهم القاهرة عاصمة لخلافتهم فيما بعد.
وكأنّه بذلك يؤدّي التزاما أدبيا نحو الدولة التي يعيش في أكنافها.
... وإذا عدنا إلى طريقته في عرض الأحداث، فإنّنا نجده في كثير من الأحيان يقطع تتابع الأخبار في بقعة معيّنة، وفي سنة محدّدة، ليعود إلى أحداث سنة أو سنتين، وربّما أكثر سابقة لها، ليصل تلك الأحداث ببعضها ويجعل قارئه يسير مع مجريات الوقائع في كلّ البلاد دون تفاوت زمنيّ كبير.
1 / 8
فهو في أول خلافة العلويّين-مثلا-يذكر حوادث سنة ٣٦٥ ثم ينتقل إلى سنة ٣٦٧ هـ. ليعود بعدها إلى سنة ٣٦٥ ثم سنة ٣٦٦ ثم سنة ٣٦٧ هـ. ليعود من جديد إلى سنة ٣٦٦ ويتابع سنة ٣٦٧ ثم يعود مرة أخرى إلى سنة ٣٦٦ هـ.
وهذا لاتّساع رقعة الأحداث وتلاحقها واختلاف أماكنها مشرقا ومغربا بحيث لا يمكن حصرها في سنة واحدة.
وكذلك تتزاحم الأحداث والوقائع وتتواصل في بلاد الروم والبلغر والروس، وتتلاحق الحروب بين ملوك تلك البلاد، وبين القادة المتمرّدين على ملوكهم، لتفرض على الأنطاكي متابعة تلك الأخبار من سنة ٣٧٥ حتى سنة ٣٨٠ هـ. فيسردها دون انقطاع، ثم يعود مجدّدا إلى سنة ٣٧٧ هـ. ليؤرّخ لبلاد المسلمين في العراق والحجاز ومصر وبلاد الشام.
وفي موضع لاحق. يؤرّخ لحوادث سنة ٤٠٥ هـ. ثم يعود إلى أحداث سنة ٣٩٩ و٤٠٢ و٤٠٣ هـ. ويصل إلى حوادث سنة ٤٠٥ هـ. مرة أخرى.
وهذا الأسلوب في العرض، هو الأسلوب الذي اتّبعه المؤرّخ ابن الأثير في «الكامل في التاريخ». وعلى الأرجح، فإنّ تاريخ الأنطاكي كان من بين مصادر ابن الأثير. أما «ابن العديم الحلبي» فهو ينقل في كتابه «زبدة الحلب من تاريخ حلب» عن تاريخ الأنطاكي بشكل مؤكّد. ونجد أصداء لمادّة الأنطاكي عند المؤرّخين المعاصرين له، والمؤرّخين المتأخّرين عن عصره، بحيث تتّفق بعض الأخبار عنده وعندهم، وذلك في كتابي: «الولاة والقضاة»، وكتاب «ولاة مصر» للكندي، وكتاب «العيون والحدائق في أخبار الحقائق» لمؤرّخ مجهول، وكتاب «تكملة تاريخ الطبري» للهمذاني، وكتاب «تجارب الأمم وتعاقب الهمم» لمسكويه، وكتاب «ذيل تجارب الأمم» للروذراوري، وكتاب «ذيل تاريخ دمشق» لابن القلانسي، وكتاب «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» لابن الجوزي، وكتاب «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام» للذهبي، وكتاب «إتّعاظ الحنفا بأخبار الأئمّة الفاطميين الخلفا» للمقريزي، وكتاب «المواعظ والاعتبار» المعروف بالخطط للمقريزي أيضا، وكتاب «الدّرّة المضيّة في أخبار الدولة الفاطمية» لابن أيبك الدواداري، وكتاب «المغرب في حلى المغرب» لمؤرّخ مجهول، وكتاب «البيان
1 / 9
المغرب في أخبار الأندلس والمغرب» لابن عذاري، وكتاب «المبتدا والخبر» المعروف بتاريخ ابن خلدون، وكتاب «عيون الأخبار وفنون الآثار» للداعي المطلق، وكتاب «مآثر الإنافة في معالم الخلافة» للقلقشندي، وكتاب «النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة» لابن تغري بردي، وكتاب «تاريخ الأزمنة» للدويهي. وكان يمكن لمحقّق كتاب الدويهي هذا أن يرمّم النّقص الحاصل في النسخة التي نشرها وحقّقها لو اعتمد على تاريخ الأنطاكي، إذ هو ينقل عنه.
لغة الكتاب
تتميّز لغة المؤلّف في كتابه أنها تتوسّط بين اللغة الجيّدة واللغة الركيكية، وإن كان معظم الكتاب أقرب إلى الفصحى، رغم الأغلاط النحوية واللغوية التي نبّهت إليها وصحّحتها وصوّبت ألفاظها في حواشي الكتاب. مع أن ثقافة المؤلّف عربية، فهو لا يعرف اليونانية كما يفترض بحكم موقعه، ونستدلّ على ذلك من أنه اطّلع على نصّ الكتاب الذي كان قد كتبه الأبجر ملك الرّها إلى السيد المسيح ﵇ وردّه عليه أن ترجما له عن اليونانية، حيث يقول إن الملك رومانوس عني بترجمة الرسالتين من السريانية إلى اليونانية، «وترجمها لنا إلى العربي الناقل الذي تولّى نقلهما إلى اليوناني على هيئتهما ونصّهما».
وقد عمد الأنطاكيّ إلى كتابة كلمة «ثلث» و«ثلثة» و«ثلثمائة» بحذف الألف في جميع المواضع، فقمت بإثباتها لتّتفق مع الرسّم المألوف، أما بقية الأغلاط فقد قمت بإثباتها كما هي في المتن، وعمدت إلى تصويبها وتصحيحها في الحواشي، إلاّ في بعض الأحيان، حيث أثّبتّ الألفاظ الصحيحة في المتن، وأشرت في الحاشية إلى أنها كانت غلطا في الأصل المخطوط.
... بقي أن أشير في هذا المجال إلى أنّ أخبار الحاكم بأمر الله استغرقت نحو ثلث تاريخ الأنطاكي، ولم يكتف المؤلّف بسرد الأخبار والوقائع التي جرت في أيامه، بل نراه يقوم بوضع دراسة تحليلية لشخصية الحاكم وأسلوبه في الحكم
1 / 10
وتصرّفاته المتقلّبة، أكّد فيها على الخلل العقلي الذي يعتريه، والمزاجيّة المسيطرة على أحكامه. وهو موضوع خطير لا يزال مطروحا للمناقشة حتى الآن.
ومن أهمّ ما يلاحظ في تاريخ الأنطاكي هو توقّفه المفاجيء عند حوادث سنة ٤٢٥ هـ/١٠٣٤ م. مع أنّ المؤلّف وعد في أواخر كتابه أن يذكر بنود معاهدة الصلح بين الخليفة الفاطمي الظاهر والإمبراطور البيزنطي ميخائيل، التي تمّت سنة ٤٢٧ هـ. فهو يقول في هذا الصدد:
«. . ولم يذعن رومانوس الملك إلى الرجوع عمّا اشترطه في معنى حلب، وجزم أنه لا يعقد الهدنة إلاّ عليه، وتردّدت المكاتبة بين الجهتين في هذا المعنى في أيامه. وفي أيام ميخائيل الملك بعده مدّة ثلاث سنين ونصف إلى أن استقرّ الأمر فيها على ما يأتي فيما بعد ذكره».
ومن المؤسف أن الكتاب ينتهي بحوادث سنة ٤٢٥ هـ. /١٠٣٤ م. أي قبل أكثر من ربع قرن من وفاة الأنطاكي، مما يجعلنا نرجّح أنّ هناك جزءا ضائعا من آخر الكتاب، وهذا الجزء يمكن أن نقدّره بما يساوي ربع الكتاب، ومقياسنا في هذا، هو تقسيم المؤلّف نفسه لكتابه إلى جزءين، حيث ينتهي الجزء الأول بنهاية عهد الحاكم بأمر الله سنة ٤١١ هـ. /١٠٢١ م. أي أنّ الجزء الأول يتناول أحداث نحو خمس وثمانين سنة، بينما لم يصلنا من الجزء الثاني سوى أحداث أربع عشرة سنة فقط. وهذا تقسيم مخلّ في توازن الكتاب من حيث الشكل والمضمون، وهذا أيضا، يؤيّد وجهة نظرنا في أنّ جزءا كبيرا من الكتاب ضاع ولم يصلنا بسبب نجهله.
...
مخطوطات الكتاب والنصوص المنشورة
توجد عدّة نسخ مخطوطة من تاريخ الأنطاكي موزّعة بين دمشق ولندن وباريس وموسكو وتعتبر النسخة البريطانية النسخة الأمّ لكلّ المخطوطات الأخرى، وهي محفوظة بمكتبة الجامعة البريطانية تحت رقم (١٣٧)، وتتألّف من
1 / 11
(١٩١) ورقة، مسطرتها (٣١*٢١ سم.)، وتحتوي الصفحة الواحدة على (١٩) سطرا. وكانت في الأساس بحلب، وتاريخ نسختها هو سنة ١٦٥٨ م. وقد حصل عليها راعي الأبرشية «باولو زعيم ماكاري» بطريرك أنطاكية، في سنة ١٦٧٠ م.
وقام بنقلها إلى مكتبة الجامعة البريطانية.
ثم قام البارون «كارّادوقو» بنقل نسختين عنها وضعتا في المكتبة الوطنية بباريس، إحداهما تحت رقم (MS .٨٨٢) وهي برمز، (A) والأخرى تحت رقم (MS .١٩٢) وهي برمز. (B) ولكنّ نقصا لحق بآخر هاتين النسختين، إذ يوجد بياض في النسخة الأولى (A) بين وجهي الأوراق (٢٢٠ - ٢٣٤)، وفي النسخة الثانية (B) بين وجهي الأوراق (٢٧٤ - ٢٩١).
أما النسخة الدمشقية فقد نسخها عن البريطانية أيضا «غابريل (جبرائيل) جبارة»، الذي تولّى منصب الأرشمندريت في البطريركية الأنطاكية للروم الكاثوليك مدّة ٦٠ عاما، ووضعها في مكتبة البطريركية اليونانية بدمشق سنة ١٨٦٠ ليقوم بالإطّلاع عليها الطلبة الشرقيّون، تحت اسم (Trium Lanerum) وهي تتألّف من (٢٧٨ صفحة)، وفي الصفحة (١٩ سطرا)، مسطرتها:
(٢٣*١٩ سم.) رقمها (٢١٠)، وقد وصف «جوليان كالنداري» الملحوظات التي وضعها «غابريل جباره» على النسخة البريطانية بأنها جيّدة،.
ولقد قام البارون «كارّادوقو» بوضع تصويبات على إحدى النسختين الباريسيّتين، فجاءت في (١٥ ورقة) بآخر النسخة ذات الرقم (٢٩١) والتي رمز إليها بحرف - B) ب)، وهي نسخة الأصل من وجه (٨٢ ب) حتى (١٣٧ ب).
كما قام «حبيب الزّيّات الدمشقي» بوضع تصويبات على النسخة الباريسية الثانية التي رمز إليها بحرف - A) س)، ووضعها في الإسكندرية.
واعتبارا من خلافة القائم بأمر الله يوجد نقص في النسخة (س) حتى بداية الخلافة الفاطمية.
كذلك فإنّ النسخة (ب) يوجد بها نقص وخاصّة نصّ الرسالتين المتبادلتين بين بطريرك أنطاكية أغابيوس، وبطريرك الإسكندرية إيليا.
1 / 12
وهناك أيضا نقص في النسخة (ب) من ورقتي ٢٢٣ و٢٢٤ وذلك اعتبارا من نهاية نصّ الكتاب الذي كتبه الخليفة الحاكم إلى الراهب ابن سليمان، وحتى وفاة الحاكم.
وقد عمد «الزيّات» إلى التأكيد على إثبات التاريخ الروماني في النسخة التي قام بتصويبها، وذلك في كل سياق يرد فيه تأريخ.
وفي سنة ١٨٨٣ نشر المستشرق «قون روزن» نصوصا مختارة من تاريخ الأنطاكي عن المخطوطة الأم، في بتروبولي Petropoli بموسكو، تؤرّخ للإمبراطور البيزنطي «باسيل» وعلاقاته بالبلغار، واهتمّ إلى جانب نشر تلك النصوص بوضع تصويبات للأغلاط الموجودة في المخطوطة الأساسية، فجاءت في كتابه من الصفحة ٢٩٨ إلى الصفحة ٣٣١.
كما اعتمد المؤرّخ «شليمبرجر» على تاريخ الأنطاكي، فنقل نصوصا منه ضمّنها كتابه «الملاحم البيزنطية حتى نهاية القرن العاشر» وخصوصا في المجلّد الثاني، والذي طبع بباريس سنة ١٩٠٠.
واستعان المشرق «ماريوس كانار» أيضا بعدّة نصوص من تاريخ الأنطاكي، فأثبتها في كتابه الذي جمع فيه أخبار سيف الدولة الحمداني، ونشره في الجزائر سنة ١٩٣٤.
وقد وجد كتاب الأنطاكي طريقه إلى الطبع مرتين، كانت أولاهما على يد الأب «لويس شيخو»، حيث نشر النسخة التي أتى بها من مكتبة بطرس بموسكو، وهي في (٣٣١ صفحة)، صدرت عن المدرسة الأرثوذكسية اليونانية ببيروت سنة ١٩٠٩، ملحقة بالتاريخ المجموع لابن البطريق، ووضع «شيخو» ملحقا في آخر تاريخ الأنطاكي صوّب فيه أخطاء النسخة، استغرق الصفحات ٣٣٢ - ٣٦٣ ولكن الكتاب جاء خلوا من أيّ تحقيق لمادّته.
أما الطبعة الثانية لتاريخ الأنطاكي فكانت في باريس على يد المستشرقين:
«كاراتشوفسكي» و«قاسيليف» سنة ١٩٢٤، وهي من غير تحقيق أيضا.
1 / 13
ولما كانت نسخة مكتبة بطرس غير كاملة، وتنتهي بنهاية الجزء الأول، حسب تجزئة المؤلّف، فإنّ النقص استعيض عنه باعتماد النّص الذي في المخطوطة البريطانية، اعتبارا من خلافة الظاهر لإعزاز الله (أي الجزء الثاني)، ولهذا كان الخط مختلفا في الجزءين، وقد رمزنا إلى هذه القطعة المضافة بحرف (ر)، وتنتهي عند خبر وفاة الملك قسطنطين في سنة ٤١٩ هـ.
...
الملحق بتاريخ الأنطاكي
هذا، وكان البارون «كارّادوقو» قد عثر على جزء صغير، اعتقد أنّه مختصر تاريخ الأنطاكي، فألحقه بآخر النسخة - B) ب) الباريسية، من وجه الورقة ٢١٢ ب حتى وجه الورقة ٢١٨ ب. وحين نشر الأب لويس شيخو تاريخ الأنطاكي، ألحق به هذا الجزء الصغير، دون أن يتحقّق إن كان مختصرا لهذا التاريخ، أم أنه مختصر لكتاب آخر، وجاء في طبعته أنّ الملحق يتناول التاريخ الهجري من سنة ٣٤٩ إلى سنة ٣٧٠ (٩٦٠ - ٩٨٠ م.).
وفي الواقع، إن الملحق يتناول أحداثا تصل إلى سنة ٤٠٠ هـ. وليس إلى سنة ٣٧٠ هـ. فقط.
كما أنّ الملحق، ليس كلّه، يعتبر مختصرا من تاريخ الأنطاكي، كما أنه ليس لمؤلّف واحد، ففي الملحق أكثر من خبر لا نجده في تاريخ الأنطاكي. ولغة الملحق وأسلوب صياغته ليست على وتيرة واحدة، على صغره، فهو في قسمه الأول حتى خلافة المعزّ يتّفق بأسلوبه مع تاريخ الأنطاكي إلى حدّ بعيد.
أما القسم الثاني منه، واعتبارا من خلافة المعزّ، فيختلف أسلوب كاتبه اختلافا واضحا، حيث نجده يطلق لقب «أمير المؤمنين» على الخليفة الفاطمي، ويقرن اسمه بقوله: «صلوات الله عليه»، وبقوله: «﵇»، مما يعني أنّ الكاتب من الإسماعيلية الفاطميين.
وبهذا يمكن القول إن «الملحق» هو نسخة ملفّقة لأكثر من مؤلّف، به ثغرات
1 / 14
تاريخية كثيرة وواسعة، فقراته مضّطربة، وأخباره مبتورة ومشوّشة، في أكثرها، وبه أوهام ونقص وتحريف، وتقديم وتأخير.
وقد اجتهدت في تحقيق نصوصه وتوضيح ما غمض منها بما توفّر لي من المصادر.
... ولما كان كلّ من الأب لويس شيخو، والمستشرقين كاراتشوفسكي وفاسيليف، لم يعتنوا بتحقيق تاريخ الأنطاكي عند نشره كما يقتضي التحقيق العلمي، من تعريف وترجمة للأعلام، وضبط للتواريخ، وتقييد للأسماء، وشرح للمصطلحات والألفاظ اللغوية، ومقارنة النصوص بالمصادر الأساسية، وتحديد المواقع والأماكن بالرجوع إلى معاجم البلدان، وتصحيح للأخطاء، وتصويب للأغلاط، وما إلى ذلك من مقتضيات التحقيق والتعليق والشرح.
فقد رأيت أن أتوفّر لهذا العمل، مقدّما «تاريخ الأنطاكي» إلى المكتبة العربية، محقّقا لأول مرة، مع فهرسة شاملة للأعلام، والأماكن، والمصطلحات، والمصادر والمراجع.
راجيا من الله التوفيق والسداد فيما وطّدت النفس عليه من بعث للتراث العربي. شاكرا لمؤسّسة «جرّوس برسّ» بطرابلس، حسن عنايتها بإخراج هذا الكتاب ونشره.
والله الموفّق.
المحقّق
عمر عبد السلام تدمري
طرابلس الشام
الجمعة في ٩ ربيع الآخر ١٤٠٩ هـ.
١٨ تشرين الثاني ١٩٨٨ م.
1 / 15
بسم الله الرحمن الرحيم /٨٢ ب/الكتاب الذي صنّفه يحيى بن سعيد الأنطاكي تتبّعا لتاريخ سعيد ابن (١) بطريق
[الجزء الأول]
[نبتدي بعون الله وحسن توفيقه بكتابة الكتاب الذي صنّفه يوحنا ابن سعد (٢) الأنطاكي تابعا لتاريخ سعيد ابن بطريق] (٣).
قصدي في هذا الكتاب أن أذكر جمل ما انتهى إليّ وصحّ عندي من الأخبار السالفة والحوادث الكائنة، منذ المدّة التي انتهى إليها [تاريخ] (٤) سعيد بن بطريق [بطريرك الإسكندرية] (٥) إلى زماننا هذا، توخّيا (٦) لقضاء (٧) حقّ من سألني تأليفه وتصنيفه وحرّضني (٨) على جمعه ونظمه، والله يحرسه ويقيه ما يتخوّفه. وذلك أنّ سعيد بن بطريق انتهى في تاريخه إلى السنة الخامسة من خلافة الراضي، وهي سنة ستّ وعشرين وثلاثمائة للهجرة، [ومات في سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، وسأذكر تاريخ اليوم والشهر من السنة التي مات فيها في موضعه من كتابي هذا، [وأن أرى ذلك على النحو الذي رتّبه] (٩) فأقصد فيه المناهج التي قصدها فأضيف أسماء جميع الخلفاء
_________
(١) كذا في الأصل.
(٢) كذا في النسخة البريطانية، والصواب «يوحنا بن سعيد». .
(٣) ما بين الحاصرتين ليس في الأصل، وأثبتناه نقلا عن النسخة البريطانية.
(٤) زيادة على الأصل من نسخة باريس والتي سأرمز إليها بحرف (س)، ومن النسخة البريطانية.
(٥) ما بين الحاصرتين زيادة من النسخة البريطانية.
(٦) في البريطانية «توجّبا». .
(٧) في الأصل وطبعة المشرق-ص ٩١ «لقضي» وما أثبتناه عن النسختين الباريسيّتين، الأولى أرمز إليها بحرف (ب) والثانية بحرف (س).
(٨) في البريطانية: «وحرّصني». .
(٩) ما بين الحاصرتين ليس في النسخة (س).
1 / 17
والملوك الذين وقفت على أسمائهم، ومدّة أيّام ملك كلّ واحد منهم، وأضيف إلى ذلك جملا ممّا انتهى إليّ من أخبارهم وسيرهم، والحوادث التي كانت في أيامهم، وأتجنّب فيها الإطالة في الشرح، والإيجاز في الاختصار، وأسلك الطريق المتوسّطة بين الطريقين، فإن النّفوس إلى معرفة الأخبار القريبة العهد أكثر تطلّعا وأعظم تشوّقا (١)، وأذكر فيه [أيضا] (٢) أسماء بطاركة الإسكندرية، وبيت المقدس، وأنطاكية، والقسطنطينية، وأعمارهم في كراسيّهم نحو ما فعل في تاريخه، ويكون جزءا مفردا مضافا إلى كتابه. وأما بطاركة رومية فلم يحصل لي أسماؤهم على التحقيق، وذلك أنّ سعيد بن بطريق [البطريرك] (٣) ذكرهم على الولاء من بطرس رأس الحواريّين إلى غابيوس (٤) البطريرك الذي كان في زمن رئاسة (٥) المجمع السادس (٦) [وهو المائتا وتسعة وثمانون] (٧) في القسطنطينية في زمن ملك قسطنطين ابن قسطس (٨) ملك الروم، في (أيّام) (٩) خلافة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، فلم يذكر من صار بعده، وقد ذكر ذلك في النصف الثاني من كتابه، فقال:
ولم يقع لنا أسماء بطاركة رومية منذ مات غابيوس بطريركها (١٠) ولا شيء من أخبارهم من ذلك الوقت إلى أن وضعت هذا الكتاب، فلم يزل غابيوس هذا يذكر في الذبتيخن (١١) منذ اجتماع المجمع السادس إلى بعد وفاة سعيد بن
_________
(١) في نسخة بتروبوليتان والبريطانية «شوقا» وسأكتفي باختصار بتروبوليتان إلى «بترو». .
(٢) زيادة من (س).
(٣) زيادة من النسخة البريطانية.
(٤) في البريطانية «غاييس». .
(٥) في النسخة البريطانية: «الذي في زمان رئاسته كان»، وفي نسخة بترو: «رياسته».
(٦) انعقد المجمع السادس من ٧ تشرين الثاني (نوفمبر) سنة ٦٨٠ حتى ١٦ كانون الأول (ديسمبر) سنة ٦٨١، وتقرّر فيه اعتماد المذهب الأرثوذكسي الذي يقول بأن للمسيح ﵇ إرادتين وفعلين. (أنظر: الدولة البيزنطية للدكتور السيد الباز العريني-ص ١٣٦).
(٧) ما بين الحاصرتين زيادة من البريطانية.
(٨) في البريطانية «فسطس». .
(٩) «أيام» ليست في النسخة (ب).
(١٠) في البريطانية «غابيس بطركها».
(١١) في البريطانية «الدبتيخا». .
1 / 18
بطريق بمدّة طويلة ليست يعرف (١) مقدارها، وذكر بعده اسم بطريرك [آخر] (٢) يدعى بناديكطس (٣)، فلم يزل اسمه مذكورا في الذبتيخن إلى سنة نيّف وتسعين وثلاثمائة للهجرة، وقد كان صيّر بعد بناديكطس هذا بطاركة عدّة إلاّ [أنّه] (٤) لم يرفع لأحد منهم في بلاد مصر والشام اسم ولا ذكر (٥) [لانقطاع أخبارهم وبعد بلادهم] (٦) واقتصروا على اسم بناذكطس (٧) المتوفّى. /٨٣ أ/وفي زماننا هذا صيّروا عليها بطريركا يسمّى يوحنا، ورفعوا اسمه وأسقطوا اسم بناديكطس، فهذا هو السبب المانع من تدوين أسمائهم (٨) والعذر في الإضراب عن ذكرهم.
وكنت ألّفت هذا الكتاب لمن كلّفني بتأليفه، ووقع إليّ (٩) بعد ذلك تواريخ لم أكن وقفت عليها عند شروعي في عمله، فغيّرته بأجمعه وبدّلت نظمه وألّفته تأليفا ثانيا، ثم أيضا بعد انتقالي إلى مدينة أنطاكية في سنة خمس وأربعمائة للهجرة تصفّحته تصفّحا (١٠) ثانيا، وتحصّل لي تواريخ أخر، فخرّجت منها ما ألحقته به وأضفته إليه، وغيّرت بعضه، وقرّرت الأمر على هذه النسخة [وأحببت التنبيه على ذلك لكيما إذا وجد لهذا الكتاب نسخ أخر مختلفة عرف السبب فيه] (١١). فكنت (١٢) عزمت أيضا أن أصلح تاريخ
_________
(١) في نسخة بترو «يحصا».
(٢) زيادة من نسخة بترو.
(٣) في نسخة بترو «باندكته». .
(٤) زيادة من بترو و(ب).
(٥) في البريطانية «اسما ولا ذكرا». .
(٦) ما بين الحاصرتين زيادة من نسخة بترو.
(٧) في (ب) «بناديكطس». .
(٨) في الأصل وطبعة المشرق-ص ٩٢ «أسماؤهم» والتصويب من نسخة بترو.
(٩) في الأصل وطبعة المشرق «لي» وما أثبتناه عن (س).
(١٠) في الأصل وطبعة المشرق «تصفيحا»، وما أثبتناه عن النسخة (س) و(ب).
(١١) ما بين الحاصرتين ليس في (ب).
(١٢) في البريطانية: «وكنت». .
1 / 19
سعيد بن بطريق وألحق فيه من الأخبار ما طواه وأغفله (١) وأغيّر منه ما تحرّف عليه منها ولم يقف على صحّته فأورده على غير حقيقته، فرأيت أنّ ذلك يطول، ويضطرّ (٢) إلى عظم الكتاب وتغيير (٣) جميع ما فيه، فأهملته [وتصفّحت قبل شروعي في تأليف هذا الكتاب عدة نسخ لكتاب سعيد بن بطريق، فألفيت (٤) بعضها يتضمّن التاريخ إلى صدر من خلافة القاهر، وهي السنة التي صيّر فيها سعيد بن بطريق بطريركا على الإسكندرية بل قد أضيف إلى بعضها زيادات بسبب من مضيف الكتاب ولا هي في نسخة أصلية.
ورأيت نسخة الأصل نفسها ونسخ (٥) أخر للكتاب غيرها، ونهاية (٦) ما فيها إلى خلافة الراضي، وذلك سنة ستّ وعشرين وثلاث مائة للهجرة، وعلى هذه النسخة خاصة أنشئت (٧) هذا الكتاب، إذ كان أتمّ النّسخ شرحا، وأقربها عهدا (٨). وأظنّ السبب في نقصان أواخر بعض هذه النسخ وقصورها عن أسباب (٩) ما في نسخة أصله (١٠) أن الكتاب استنسخ في حياة مؤلّفه في أوقات مختلفة من الزمان، واشتهرت نسخته في أيدي الناس، وبقيت كل واحدة من النسخ على جملتها تتضمّن (١١) التاريخ إلى الزمان الذي كتبت فيه] (١٢).
[وهذه هي نهاية تاريخ سعيد بن بطريق إلى خلافة الراضي سنة ستّ وعشرين
_________
(١) في الأصل وطبعة المشرق-ص ٩٢ «وأغلقه» وما أثبتناه عن النسخة (س).
(٢) في النسخة (ب): «ويظهر».
(٣) في الأصل وطبعة المشرق-٩٣ «ويتغيّر». وما أثبتناه من البريطانية.
(٤) في نسخة بترو «فالقيت»، وما أثبتناه عن البريطانية.
(٥) كذا، والصحيح «نسخا». .
(٦) في نسخة بترو «وتهيأت»، والتصويب من البريطانية.
(٧) كذا، والصواب «أنشأت». .
(٨) في نسخة بترو «وأقرّ عهدا»، وما أثبتناه من النسخة البريطانية.
(٩) في نسخة بترو «اسهاب» وما أثبتناه عن البريطانية.
(١٠) في نسخة بترو «أصلية» وما أثبتناه عن البريطانية.
(١١) في نسخة بترو «يتضمن» والتصويب من البريطانية.
(١٢) ما بين الحاصرتين زيادة من نسخة بترو وصحّحتها من البريطانية.
1 / 20
وثلاثمائة للهجرة] (١) وأنا مثبت هاهنا الفصل (٢) الأخير من النسخة التي هي (أصح من جميع نسخه) (٣) وأتمّ وأكمل (٤) وأتلوه بما ألّفته، مستعينا بالله طالبا منه التوفيق فيما قد قصدت إليه وعزمت عليه، وهو المرشد لذلك بفضله/ وكرمه.
[سنة ٣٢٦ هـ]
قال سعيد بن بطريق:
وفي سنة ستّ وعشرين وثلثمائة كان بين الروم والمسلمين هدنة، وكان بينهم فداء خلق كثير (٥).
[رسالة بطريرك القسطنطينية إلى بطاركة الإسكندرية وأنطاكية وبيت]
وفي هذه السنة وجّه ثوفيلكطس (٦) بطريرك القسطنطينية برسول من قبله ومعه كتب إلى أنبا أفتيشيوس (٧) بطريرك الإسكندرية، وإلى أنبا تاودوسيوس (٨) بطريرك أنطاكية، وإلى أنبا خريصطودللس (٩) بطريرك بيت المقدس يسألهم أن يذكروا اسمه في صلواتهم وقدّاساتهم، فأجابوه إلى ما سأل، وهذا كان قد انقطع من وقت خلافة بني أميّة، وهذا آخر ما سيّر سعيد بن بطريق البطريرك، ووجد في نسخة أصله (١٠) تمام خلافة الراضي أبي العبّاس محمد بن المقتدر.
_________
(١) ما بين الحاصرتين ليس في (س).
(٢) في البريطانية «للفصل». .
(٣) ما بين القوسين ليس في البريطانية.
(٤) في البريطانية «وأكمل كتابه».
(٥) الخبر في: تكملة تاريخ الطبري للهمداني (طبعة بيروت) -ص ١١١، وعيون الحدائق لمؤرّخ مجهول (تحقيق نبيلة عبد المنعم داود) -ج ٢٥٤/ ٦٩، والمنتظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي ٦/ ٢٩٣، والكامل في التاريخ لابن الأثير ٨/ ٣٥٢، والبداية والنهاية لابن كثير ١١/ ١٨٨، وتاريخ الزمان لابن العبري ٥٦، وتاريخ ابن خلدون ٣/ ٤٠٩، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي ٣/ ٢٦٢. وانظر: تاريخ كنيسة انطاكية، لبابادوبولس. ص ٥٩١
(٦) في البريطانية «تاوفيطس»، وفي بترو «ثوفيلكته». .
(٧) في بترو «اوتوشيوس».
(٨) في البريطانية «ثاودوسيوس». .
(٩) في (س): «اخرسطودولا»، وفي بترو «خريسطوذولا». وفي (ب) «خريصيوذولس».
(١٠) في (س) «الأصل الذي صنفها».
1 / 21
[الخليفة الراضي يقلّد ابن راشد إمرة الأمراء]
وقلّد الراضي لمحمد بن رايق إمرة الأمراء، وفوّض إليه تدبير دولته، وأمر أن يخطب له على سائر المنابر التي في مملكته،
[ابن رائق يستولي على أمور الدولة العباسية]
واستولى ابن رايق (١) على الأمور، واستكتب أحمد بن علي الكوفي، ونظر فيما كان الوزراء ينظرون فيه، وبطل منذ ذلك الوقت أمر الوزراء، فلم يكن للوزير نظر في شيء من الأشياء، ولا كان له غير اسم الوزارة، وكذلك سائر من تقلّد الإمارة لخلفاء بني العبّاس بعد ابن رايق، وإلى (٢) هذه الغاية، وصارت أموال النّواحي تحمل إلى خزائن الأمراء، فيأمرون فيها وينفقون ما يرون، ويطلقون لنفقات السلطان ما يريدون، وعطّلت بيوت الأموال.
[ابن رائق يولّي بجكم التركي على الأهواز]
وولّى محمد بن رايق (٣) الأهواز لغلام تركي يسمّى (٤) بجكم (٥) فعظم حاله وكثر ماله وتوفّر جيشه، فسار إلى بغداد لمحاربة ابن رايق، والتقيا بموضع يعرف بديالى (٦) [في ذي القعدة من سنة ٣٢٦] (٧)، فانهزم ابن رايق،
[دخول بجكم بغداد ووزارته للراضي]
ودخل بجكم إلى بغداد، وأكرمه الراضي وخلع عليه وجعله أمير الأمراء (٨)، واستكتب [بجكم] (٩): محمد بن يحيى بن شيرزاد (١٠) يدبّر الأحوال، فقام مقام الوزراء من غير تسمية بوزارة.
[سنة ٣٢٧ هـ]
[وفاة الفضل بن جعفر وزير الراضي]
ومات الفضل بن جعفر (١١) وزير/٨٣ ب/الراضي بالرملة [في جمادى
_________
(١) في الأصل وطبعة المشرق ٩٣ «بن رايق» وما أثبتناه عن البريطانية.
(٢) في الأصل وطبعة المشرق «والي».
(٣) في (ب) «دايق» و«ذايق». .
(٤) في البريطانية «اسمه». .
(٥) في بترو و(ب) «بحكم». .
(٦) ديالى: بفتح أوله وإمالة اللام، نهر كبير بقرب بغداد، وهو نهر بعقوبا الأعظم يجري في جنبها، وهو الحدّ بين طريق خراسان والخالص، وهو نهر تامّرا بعينه. (معجم البلدان ٢/ ٤٩٥).
(٧) ما بين الحاصرتين زيادة من بترو.
(٨) أنظر: العيون والحدائق-ج ٤ ق ٢/ ٦٤، والكامل في التاريخ ٨/ ٣٤٧.
(٩) زيادة من بترو و(ب) وورد فيهما «بحكم». .
(١٠) في بترو «سراد»، وفي (ب) «سيراد».
(١١) زاد في نسخة بترو: «بن الفرات بن حربانه».
1 / 22
الأول سنة ٣٢٧] (١)
[وزارة أحمد بن محمد البريدي]
واستوزر الراضي أحمد بن محمد البريدي [يوم الأحد لستّ خلون من رجب من السنة] (٢) وكان اسم الوزارة واقعا عليه، والقائم بتدبير الأحوال بجكم وابن شيرزاد (٣) كاتبه.
[سنة ٣٢٨ هـ]
[وفاة سعيد بن بطريق بطريرك الإسكندرية]
واعتلّ بمصر سعيد بن بطريق، وهو أفتيشيوس بطريرك الإسكندرية، وكان متمهّرا (٤) بصناعة الطبّ، فحدس أنها علّة موته، فصار إلى كرسيّه إلى الإسكندريّة، وأقام بها أيام (٥) عدّة عليلا، ومات يوم الاثنين سلخ رجب سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة (٦)، وله في الرئاسة سبع سنين وستة أشهر (٧)
[شقاق أسقف تنّيس وأسقف الفرما على ابن البطريق]
وكان في أيامه انشقاق عظيم وشرّ متّصل بينه وبين شعبه، وذلك أنّ جماعة من أطبّاء فسطاط مصر وشيوخهم كانوا كارهين لرئاسته، وكان على تنّيس (٨) إذ ذاك
_________
= وأقول: هو أبو الفتح الفضل بن جعفر بن محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات المعروف بابن حنزابة، توفي يوم الأحد ٨ جمادى الأول سنة ٣٢٧ هـ. أنظر عنه في: الولاة والقضاة للكندي ٢٨٨ وفيه وفاته في شهر ربيع الأول، وولاة مصر، له-ص ٣٠٦، وتكملة تاريخ الطبري للهمداني ١١٣، وتجارب الأمم لمسكويه ١/ ٤٠٩، والعيون والحدائق لمجهول-ج ٤ ق ٢/ ٨٠، والفخري في الآداب السلطانية لابن طباطبا ٢٨٢، والكامل في التاريخ لابن الأثير ٨/ ٣٥٤، ووفيات الأعيان لابن خلكان ٣/ ٤٢٤ (في ترجمة أبي الحسن علي بن محمد بن موسى رقم ٤٨٧)، ودول الإسلام للذهبي ١/ ٢٠١، وسير أعلام النبلاء، له ١٤/ ٤٧٩ رقم ٢٦٣، والعبر له أيضا ٢/ ٣٠٨، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي ٣/ ٢٦٤، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي ٢/ ٣٠٩.
(١) ما بين الحاصرتين زيادة من نسختي بترو و(ب).
(٢) ما بين الحاصرتين زيادة من نسختي بترو و(ب).
(٣) هو أبو جعفر محمد بن يحيى بن شيرزاد. وفي النسخة (س): «سيرزاد» وفي (ب): «بحكم. . سيراد». .
(٤) في النسخة (س): «ماهرا».
(٥) هكذا في الأصل، والصحيح «أياما».
(٦) في كتاب «تاريخ الأزمنة للبطريرك الدويهي» نقص يمكن تعويضه من تاريخ الأنطاكي هذا. أنظر-ص ٥٢ رقم ٢٢.
(٧) من هنا ليس في النسخة (س).
(٨) تنّيس: بكسرتين وتشديد النون، وياء ساكنة: جزيرة في بحر مصر قريبة من البرّ ما بين الفرما ودمياط، والفرما في شرقيّها. (معجم البلدان ٢/ ٥١). وفي النسخة (ب) «تينس».
1 / 23
أسقف يسمّى ميخائيل (١) ويعرف بابن النخيلي (٢) وكان أيضا كارها له فوثب عليه (٣) جماعة من الملكيّة (٤)، واستنفر سائر من كان منهم بمصر وأوحشهم منه، فقطع اسمه في عدّة كنائس وكراسي منها تنّيس والفرما (٥). وكان أيضا بالفرما أسقف يعرف بابن بليحا (٦) شرّير وعلى طريق غير محمودة ولا مأثورة، فعاضد (٧) ميخائيل (٨) بن النخيلي أسقف تنّيس على مقاومة البطريرك أفتيشيوس، فجهد (٩) البطريرك في استصلاحهما وأن يرجعا عمّا هما عليه من مقاومته ومنازعته، فلم يتّفق (١٠) ذلك. وكان أسقف الفرما هذا أخذ برطيل (١١) منه، وغرض أسقف تنّيس إزالته عن الرئاسة. ومات ميخائيل أسقف تنّيس في صفر سنة اثنين وعشرين وثلثمائة، وحمل إلى تنّيس وقبر بها في كنيسة أبي (١٢) جلبة، وكفى البطريرك أمره، وتمكّن من تنّيس. وانقسم أهل مصر قسمين، وكذلك أهل تنّيس، وتحزّبوا حزبين، فصار حزب من الكهنة والعلمانيّين مع البطريرك، وحزب منهم عليه. وكان كل فريق منهم يصلّي في كنيسة مفردة. ثم أصلح البطريرك على تنّيس عوضا من ابن النخيلي
_________
(١) في (ب): «أسقفا. . . مخائيل». .
(٢) في نسخة بترو «النحيلي» بالحاء المهملة.
(٣) في (ب): «على».
(٤) في بترو «من النصارى الملكية». والملكية أو المكانية، وهو المتواتر في الكتب بإحدى الفرقتين الدينيّتين اللّتين نشأتا في مصر المسيحية قبل الإسلام. وكان قيامهما نتيجة الخلاف المذهبي الذي قام بها وبسائر بلاد الدولة الرومانية الشرقية حول طبيعة المسيح وجوهره ومشيئته وأقنومه. وتسمّى الفرقة الثانية باليعقوبية نسبة إلى أحد زعمائها وهو يعقوب البراذعي الراهب. Jacob Baradeus
(٥) الفرما: بالتحريك، مدينة على الساحل من ناحية مصر، وهي أول مصر من الشام. (معجم البلدان ٤/ ٢٥٥).
(٦) في البريطانية «بليحه» وفي بترو مهملة.
(٧) في الأصل وطبعة المشرق ٩٤ «معاضد». وما أثبتناه عن بترو و(ب).
(٨) في (ب) «مخائيل».
(٩) في البريطانية: «وجهد».
(١٠) في الأصل وطبعة المشرق «يتفقا» والتصويب من البريطانية.
(١١) كذا، والصواب «برطيلا».
(١٢) في البريطانية «أبو».
1 / 24
أسقفا من أهلها يسمّى ثاوفيلس (١) ويعرف بابن الشقيّ (٢) واجتمع إليه بنوه (٣) وإخوته وجماعة من أهل البلد، وقصد استصلاح من كان نافرا، وجعل يقصد منازلهم راجلا، وخفض جناحه لهم، ولاطفهم، فلم يغنه ذلك شيئا، وقام لكلّ حزب من الحزبين غرض في نصرة هواه، حتى كان الأب لا يكلّم ابنه، ولا المرأة (٤) تخاطب بعلها، وانتشت الحرومات (٥) بينهم، وصارت القرابين تنتقل (٦) من هيكل إلى هيكل وتكسر على المذابح، ويستعين كلّ فريق منهم على الآخر بالسلطان.
[ابن الأحول يمنع الصلاة في كنيسة تنّيس ويقبض على أسقفّها]
وخرج جماعة من النافرين (٧) عنه من أهل تنّيس من النّصارى إلى الإخشيد محمد بن طغج (٨) بمصر ساعيين (٩) به رافعين عليه، وكان رجلا ظالما يصغي كثيرا إلى سماع السعايات وقبولها، ويهلك المسعيّ به (١٠) ويأتي عليه، فوجّه معهم قائدا يكنّى بأبي الحسين ويعرف [بصاحب علي بن] (١١) الأحول (١٢) وضمّ إليه جماعة من الرّجّالة، فأنزلوه بكنيسة أبي (١٣) جبلة، وهي كنيسة أهل الملّة الجامعة التي الأسقف نازل (١٤) بها، فختمها ومنع الصّلوات فيها، وقبض على تاوفيلس أسقف تنّيس وعلى أفتيشيوس/٨٤ أ/البطريرك، وكانا جميعا يومئذ بتنّيس، ووكّل بهما، وأحضر جماعة من مشايخ الإسلام وشيوخ النصارى، وفتح خزائن الكنيسة
_________
(١) في بترو «ثاوفيلا».
(٢) في (ب): «الشقى».
(٣) في نسخة بترو «إليه أهل بيته».
(٤) في (ب) «الامرأة».
(٥) كذا في الأصل.
(٦) في نسختي بترو و(ب) «تنقل».
(٧) في البريطانية «من النصارى المنافرين».
(٨) في (ب) «طعج».
(٩) كذا، والصواب «ساعين»
(١٠) في بترو «المسعى به والمنتصح به».
(١١) ما بين الحاصرتين زيادة من بترو و«ب».
(١٢) في بترو «الأخول»، وفي الأصل وطبعة المشرق ٩٥ «ويعرف بابن الاصول».
(١٣) في (ب) «أبو».
(١٤) في (ب) «نازلا».
1 / 25