تربیہ و تعلیم فی اسلام
التربية والتعليم في الإسلام
اصناف
263
ومن تلك الكتب التربوية التي خلفها لنا هذه الكتب الثلاثة: (أ)
رسالة وصيته لطالب الحكمة:
264
وهي وصية جد ثمينة نصح فيها طالب الحكمة والمعرفة، وهي من أنفس ما في الخزانة العربية من رسائل التربية والتوجيه والتعليم؛ فقد بدأها بإسداء النصائح التربوية والنفسية الواجب على طالب الحكمة أن يسلكها، وإليك بيان ذلك:
أوصى مسكويه طالب الحكمة بأن يطهر قلبه ويقضي على المشاعر الوضيعة في النفس حتى تصفو وتذهب عنها الشهوات كالحقد والحسد، ثم يقول: «وقد رأينا من أراد الغرس في أرض يبدأ فيقتلع ما فيها من غرائب النبت، ثم يأتي بكرائم الغرس فينصبه فيها، وكذلك من طلب الحكمة ورغب في اقتنائها فهو حقيق أن يبدأ بما في قلبه من أضدادها فيمحقها ويطهره منها.» ثم يدعوه أن يجمع سائر قواه العقلية ويركزها في تفهم أمر أنواع الموجودات المختلفة في هدوء وسكينة؛ فإن الحكمة وما تتطلبه من نظر وتدبر هي أم الفضائل التي ترفع من قدر الناس، وهي ضرورية لسائر الناس خيرهم وشرهم؛ «لأن من فقد الحكمة من أهل الخصال الحسنة ضاعت خصاله، ومن فقدها من غيرهم هلك كل الهلاك.» فالحكمة وسيلة لإصلاح النفس، ومن عجز عن إصلاح نفسه بجميع الوصايا الحكمية فليأمر غيره بها. وفي آخر هذه الوصية يسمي إطالة نظر العقل فيما حصله «ذهنا»، ويقول: إن الذهن لا ينام ولا يسكن ولا يحتاج إلى تذكير، وهذه الدرجة العقلية هي الدرجة العليا، وبها يشبه الإنسان الملائكة والأرواح الطاهرة. (ب)
رسالة وصية أخرى له:
ذكر هذه الوصية ياقوت، وهي مهمة جدا؛ لأنها تلخص آراء مسكويه في الأخلاق والتربية وما يجب على المربي أن يدعو الوليد إليه ويتعلمه ويتخلق به من الفضائل الخلقية والكمالات النفسية؛ فهو يدعو الطالب إلى أن يتحلى بالفضائل الأربع الكبرى، وهي: الحكمة والعفة والشجاعة والعدالة، ثم ينصحه أن يتحلى بفضائل، هي: إيثار الحق على الباطل في الاعتقاد، والصدق على الكذب في القول، والخير على الشر في الفعل، وكثرة الجهاد؛ ثم يوصيه ببعض الأخلاق العملية في الحياة كحفظ الوعد، وقلة الثقة بالناس، ومحبة الجمال، والصمت في أوقات حركات النفس للكلام حتى يستشار فيه العقل، وترك الخوف من الموت والفقر، وترك الاكتراث لأقوال أهل الحسد، وحسن احتمال الغنى والفقر، والكرامة والهوان، وذكر المرض وقت الصحة، والهم عند السرور، والمرض عند الغضب.
وقد اهتم مسكويه بأمور الشريعة اهتماما لم ينصرف إليه ذهن من سبقه من المربين والفلاسفة في الإسلام؛ فلقد كانت «الأخلاق» مادة ثانوية في أبحاثهم الفلسفية، واهتموا خاصة بالطبيعيات كالكندي، وبالمنطق والإلهيات كالفارابي، وبالترجمة والنقل كيحيى بن عدي، والأخلاق تطغى على حدود ما خصص لها مسكويه من مؤلفات فتلقي ظلها على معظم كتبه، فترى ذلك واضحا في كتابه «تجارب الأمم»، فإن عرض هذا التاريخ عرض أخلاقي، وهو الاعتبار بحوادث التاريخ وأخذ العظات منها، وكذلك الحال في كتابه «أنس الفريد» المفقود، فإن غرضه فيه تقويم أخلاق الفرد عن طريق القصص والحكايات.
265 (ج)
نامعلوم صفحہ